ولما كان العطاء إذا كان على المعاوضة كان أطيب لنفس الآخذ قال :﴿جزاء﴾ وبين أنه ما جعله جزاء لهم إلا إكراماً للنبي ـ ﷺ ـ فإنه سبحانه لا يجب عليه لأحد شيء لأن أحداً لا يمكنه أن يوفي شكر نعمة من نعمه فإن عمله من نعمه فقال :﴿من ربك﴾ أي المحسن إليك بإكرام أمتك بانواع الإكرام، وفي ﴿عطاء﴾ إشارة إلى ذلك وهو بذل من غير جزاء ﴿حساباً﴾ أي على قدر الكفاية وإن فعل الإنسان منهم ما فعل وحسب جميع أنواع الحساب، ومن قولهم : أعطاه فأحسبه - إذا تابع عليه العطاء وأكثره حتى جاوز العد وقال : حسبي، لا يمكن أن يحتاج مع هذا العطاء وإن زاد في الإنفاق، واختير التعبير به دون " كافياً " مثلاً لأنه أوقع في النفس، فإنه يقال : إذا كان هذا الحساب فما الظن بالثواب.
ولما ذكر سبحانه سعة فضله، وصف نفسه الأقدس بما يدل على عظمته زيادة في شرف المخاطب ـ ﷺ ـ لأن عظمة العبد على حسب عظمة السيد، فقال مبدلاً على قراءة الجماعة وقاطعاً بالرفع على المدح عند الحجازيين وأبي عمرو :﴿رب السماوات والأرض﴾ أي مبدعهما ومدبرهما ومالكهما ﴿وما بينهما﴾ ملكاً وملكاً.
ولما شمل ذلك العرش وما دونه، علله بقوله :﴿الرحمن﴾ أي الذي له الإنعام العام الذي أدناه الإيجاد، وليس ذلك لأحد غيره، فإن الكل داخل في ملكه وملكه، ولذلك قال دالاً على الجبروت بعد صفة الرحمة :﴿لا يملكون﴾ أي أهل السماوات والأرض ومن بين ذلك أصلاً دائماً في وقت من الأوقات في الدنيا ولا في الآخرة لا في يوم بعينه :﴿منه﴾ أي العام النعمة خاصة ﴿خطاباً﴾ أي أن يخاطبوه أو يخاطبوا غيره بكلمة فما فوقها في أمرهم في غاية الاهتمام به بما أفاده التعبير بالخطاب، فكيف بما دونه وإذا لم يملكوا ذلك منه فمن والكمل في ملكه وملكه؟ وعدم ملكهم لأن يخاطبهم مفهوم موافقة، والحاصل أنهم لا يقدرون على خطاب ما من ذوات أنفسهم كما هو شأن المالك.