وعقب هذا المطلع الغامض الراجف الواجف يجيء المشهد الأول من مشاهد ذلك اليوم. ظله من ظل ذلك المطلع وطابعه من طابعه ; كأنما المطلع إطار له وغلاف يدل عليه: يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة. قلوب يومئذ واجفة. أبصارها خاشعة. يقولون: أئنا لمردودون في الحافرة ؟ أئذا كنا عظاما نخرة ؟ قالوا: تلك إذا كرة خاسرة ! فإنما هي زجرة واحدة. فإذا هم بالساهرة..
ومن هنالك.. من هذا الجو الراجف الواجف المبهور المذعور.. يأخذ في عرض مصرع من مصارع المكذبين العتاة في حلقة من قصة موسى مع فرعون. فيهدأ الإيقاع الموسيقي ويسترخي شيئا ما، ليناسب جو الحكاية والعرض: هل أتاك حديث موسى. إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى: اذهب إلى فرعون إنه طغى. فقل: هل لك إلى أن تزكى ؟ وأهديك إلى ربك فتخشى ؟ فأراه الآية الكبرى، فكذب وعصى، ثم أدبر يسعى، فحشر فنادى، فقال: أنا ربكم الأعلى. فأخذه الله نكال الآخرة والأولى. إن في ذلك لعبرة لمن يخشى.. وبهذا يلتقي ويمهد لتلك الحقيقة الكبرى.
ثم ينتقل من ساحة التاريخ إلى كتاب الكون المفتوح، ومشاهد الكون الهائلة، الشاهدة بالقوة والتدبير والتقدير للألوهية المنشئة للكون، المهيمنة على مصائره، في الدنيا والآخرة. فيعرضها في تعبيرات قوية الأسر، قوية الإيقاع، تتسق مع مطلع السورة وإيقاعها العام: (أأنتم أشد خلقا أم السماء ؟ بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ; والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها، متاعا لكم ولأنعامكم)..