القائلون بأن معرفة الله لا تستفاد إلا من الهادي تمسكوا بهذه الآية، وقالوا : إنها صريحة في أنه يهديه إلى معرفة الله، ثم قالوا : ومما يدل على أن هذا هو المقصود الأعظم من بعثة الرسل ؛ أمران الأول : أن قوله :﴿هَل لَّكَ إلى أَن تزكى﴾ يتناول جميع الأمور التي لا بد للمبعوث إليه منها، فيدخل فيه هذه الهداية فلما أعاده بعد ذلك علم أنه هو المقصود الأعظم من البعثة والثاني : أن موسى ختم كلامه عليه، وذلك ينبه أيضاً على أنه أشرف المقاصد من البعثة والجواب : أنا لا نمنع أن يكون للتنبيه والإشارة معونة في الكشف عن الحق إنما النزاع في إنكم تقولون : يستحيل حصوله إلا من المعلم ونحن لا نحل ذلك.
المسألة الثانية :
دلت الآية على أن معرفة الله مقدمة على طاعته، لأنه ذكر الهداية وجعل الخشية مؤخرة عنها ومفرعة عليها، ونظيره قوله تعالى في أول النحل :﴿أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون﴾ [ النحل : ٢ ] وفي طه :﴿إِنَّنِي أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدني﴾ [ طه : ١٤ ].
المسألة الثالثة :
دلت الآية على أن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة.
قال تعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء﴾ [ فاطر : ٢٨ ] أي العلماء به، ودلت الآية على أن الخشية ملاك الخيرات، لأن من خشى الله أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شر، ومنه قوله عليه السلام " من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ".
فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (٢٠)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
الفاء في ﴿فَأَرَاهُ﴾ معطوف على محذوف معلوم، يعني فذهب فأراه، كقوله :﴿فَقُلْنَا اضرب بّعَصَاكَ الحجر فانفجرت﴾ [ البقرة : ٦٠ ] أي فضرب فانفجرت.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon