ذكر المفسرون في هذه الآية وجوهاً أحدها : أن الآخرة والأولى صفة لكلمتي فرعون إحداهما قوله :﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِي﴾ [ القصص : ٣٨ ] والأخرى قوله :﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى﴾ [ النازعات : ٢٤ ] قالوا : وكان بينهما أربعون سنة، وهذا قول مجاهد والشعبي وسعيد بن جبير ومقاتل، ورواية عطاء والكلبي عن ابن عباس، والمقصود التنبيه على أنه ما أخذه بكلمته الأولى في الحال، بل أمهله أربعين سنة، فلما ذكر الثانية أخذ بهما، وهذا تنبيه على أنه تعالى يمهل ولا يهمل الثاني : وهو قول الحسن وقتادة :﴿نَكَالَ الآخرة والأولى﴾ أي عذبه في الآخرة، وأغرقه في الدنيا الثالث : الآخرة هي قوله :﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى﴾ والأولى هي تكذيبه موسى حين أراه الآية، قال القفال : وهذا كأنه هو الأظهر، لأنه تعالى قال :﴿فَأَرَاهُ الاية الكبرى * فَكَذَّبَ وعصى * ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى * فَحَشَرَ فنادى * فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى﴾ [ النازعات : ٢٠-٢٤ ] فذكر المعصيتين، ثم قال :﴿فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى﴾ فظهر أن المراد أنه عاتبه على هذين الأمرين.
المسألة الثالثة :
قال الليث :( النكال ) اسم لمن جعل نكالاً لغيره، وهو الذي إذا رآه أو بلغه خاف أن يعمل عمله، وأصل الكلمة من الامتناع، ومنه النكول عن اليمين، وقيل للقيد نكل لأنه يمنع، فالنكال من العقوبة هو أعظم حتى يمتنع من سمع به عن ارتكاب مثل ذلك الذنب الذي وقع التنكيل به، وهو في العرف يقع على ما يفتضح به صاحبه ويعتبر به غيره، والله أعلم.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦)