أما الحصر فلأنه إما أن يكون مستقراً حيث هو فيكون ساكناً، أو لا يكون مستقراً حيث هو فيكون متحركاً، وإنما قلنا : إنه يستحيل أن يكون متحركاً، لأن ماهية الحركة تقتضي المسبوقية بالغير، وماهية الأزل تنافي المسبوقية بالغير والجمع بينهما محال، وإنما قلنا : إنه يستحيل أن يكون ساكناً، لأن السكون وصف ثبوتي وهو ممكن الزوال، وكل ممكن الزوال مفتقر إلى الفاعل المختار، وكل ما كان كذلك فهو محدث، فكل سكون محدث فيمتنع أن يكون أزلياً، وإنما قلنا : إن السكون وصف ثبوتي، لأنه يتبدل كون الجسم متحركاً بكونه ساكناً مع بقاء ذاته، فأحدهما لابد وأن يكون أمراً ثبوتياً، فإن كان الثبوتي هو السكون فقد حصل المقصود، وأن كان الثبوتي هو الحركة وجب أيضاً أن يكون السكون ثبوتياً، لأن الحركة عبارة عن الحصول في المكان بعد أن كان في غيره، والسكون عبارة عن الحصول في المكان بعد أن كان فيه بعينه، فالتفاوت بين الحركة والسكون ليس في الماهية، بل في المسبوقية بالغير وعدم المسبوقية بالغير، وذلك وصف عارضي خارجي عن الماهية، وإذا كان كذلك فإذا ثبت أن تلك الماهية أمر وجودي في إحدى الصورتين وجب أن تكون كذلك في سورة أخرى، وإنما قلنا : إن سكون السماء جائز الزوال، لأنه لو كان واجباً لذاته لامتنع زواله، فكان يجب أن لا تتحرك السماء لكنا نراها الآن متحركة، فعلمنا أنها لو كانت ساكنة في الأزل، لكان ذلك السكون جائز الزوال، وإنما قلنا : إن ذلك السكون لما كان ممكناً لذاته، افتقر إلى الفاعل المختار لأنه لما كان ممكناً لذاته، فلا بد له من مؤثر، وذلك المؤثر لا يجوز أن يكون موجباً، لأن ذلك الموجب إن كان واجباً، وكان غنياً في إيجابه لذلك المعلول عن شرط لزم من دوامه دوام ذلك الأثر، فكان يجب أن لا يزول للسكون وإن كان واجباً ومفتقراً في إيجابه لذلك المعلول إلى شرط واجب لذاته، لزم من دوام العلة ودوام الشرط دوام