"فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى " ٤١ لهم يمرحون فيها كيفما شاءوا وأرادوا، وهذه الآيات الثلاث بمقابل الآيات الثلاث قبلها.
واعلم أن الخوف مقدم على العلم، قال اللّه تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) الآية ٣٨ من سورة فاطر في ج ١، ولما كان الخوف من اللّه سببا لدفع الهوى وهو علّة فيه، قدّمه عليه، فمن أعرض عن هوى نفسه وخالقها في مقامه هذا وعرف أنه يعاقب على الإقدام عليها ويثاب عن الإعراض عنها باعتقاد جازم كان مصيره الجنة عند ربه الذي خافه وترك شهوته من أجله، و(من) في الآيتين عامة في كل من يتصف بهما.
والهوى مطلق الميل إلى الشهوات فهو يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الأخرى إلى الهاوية، فالسعيد من ضبط نفسه بالصبر
ووطنها على مخالفته، ولم يعتد بمتاع الدنيا وزهرتها الفانية، ولم يغتر بزخارفها وزينتها البالية، علما بوخامة عاقبتها، قال بعض الحكماء : إذا أردت الصواب فانظر هواك وخالفه.
وقال الفضيل : أفضل الأعمال مخالفة الهوى.
قال أبو عمران اليرتلي :
فخالف هواها واعصها إن من يطع هوى نفسه تنزع به شر منزع
ومن يطع النفس اللجوجة ترده وترم به في مصرع أي مصرع
وقال الأبوصيري :
فاصرف هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمال سائمة وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذة للمرء قاتلة من حيث لم يدر أن السم في الدمم
وخالف النفس والشيطان واعصهما وإنّ هما محضاك النصح فاتهم
هذا والسالم من موافقة هواه قليل، اللهم اجعلنا من القليل.
قال : سهل لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين، فطوبى لمن سلم منه.
وقال عليه الصلاة والسلام ثلاث مهلكات : هوى مطاع، وشحّ متبع، وإعجاب المرء في نفسه.