وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما أوضحت سورة النبأ حال الكافر في قوله ﴿يا ليتني كنت تراباً﴾ [ النبأ : ٤٠ ] عند نظره ما قدمت يداه، ومعانيته من العذاب عظيم ما يراه، وبعد ذكر تفصيل أحوال وأهوال، أتبع ذلك ما قد كان حاله عليه في دنياه من استبعاد عودته في أخراه، وذكر قرب ذلك عليه سبحانه كما قال في الموضع الآخر ﴿وهو أهون عليه﴾ [ الروم : ٢٧ ] وذلك بالنظر إلينا ولما عهدناه، وإلا فليس عنده سبحانه شيء أهون من شيء ﴿إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾ [ يس : ٨٢ ] فقال تعالى :﴿والنازعات غرقاً﴾ [ النازعات : ١ ] إلى قوله :﴿يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاماً نخرة﴾ [ النازعات : ١٠ - ١١ ] إذ يستبعدون ذلك ويستدفعونه ﴿فإنما هي زجرة واحدة﴾ [ النازعات : ١٣ ] أي صحية ﴿فإذا هم بالساهرة﴾ [ النازعات : ١٤ ] أي الأرض قياماً ينظرون ما قدمت أيديهم ويتمنون أن لو كانوا تراباً ولا ينفعهم ذلك، ثم ذكر تعالى من قصة فرعون وطغيانه ما يناسب الحال في قصد الاتعاظ والاعتبار، ولهذا أتبع القصة بقوله سبحانه
﴿إن في ذلك لعبرة لمن يخشي﴾ [ النازعات : ٢٦ ] انتهى.
ولما أقسم على القيام بتلك الأفعال العظام التي ما أقدر أهلها عليها إلا الملك العلام.
ذكر ما يكون فيه من الأعلام تهويلاً لأمر الساعة لأن النفوس المحسوسات نزاعة، فالغائبات عندها منسية مضاعة فقال ناصباً الظرف بذلك المحذوف لأنه لشدة وضوحه كالملفوظ به :﴿يوم ترجف﴾ أي تضطرب اضطراباً كبيراً مزعجاً ﴿الراجفة﴾ أي الصيحة، وهي النفخة الأولى التي هي بحيث يبلغ - من شدة إرجافها للقلوب وجميع الأشياء الساكنة من الأرض والجبال إلى نزع النفوس من جميع أهل الأرض - مبلغاً تستحق به أن توصف بالعراقة في الرجف، قال البغوي : وأصل الرجفة الصوت والحركة.