﴿أإنا لمردودون﴾ أي بعد الموت ممن يتصف بردنا كائناً من كان ﴿في الحافرة﴾ أي في الحياة التي كنا فيها قبل الموت هي حالتنا الأولى، من قولهم : رجع فلان في حافرته، أي طريقته التي جاء بها فحفرها أي أثر فيها بمشيه كما تؤثر الأقدام، والحوافر في الطرق، أطلق على المفعولة فاعلة مبالغة وذلك حقيقته، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم رجع إليه : رجع إلى حافرته، وقيل : الحافرة الأرض التي هي محل الحوافر.
ولما وصف قلوبهم بهذا الإنكار الذي ينبغي لصاحبه أن يذوب منه خجلاً إذا فرط منه مرة واحدة، وأشار إلى شدة وقاحتهم بتكريره، أتبعه التصريح بتكريرهم له على وجه مشير إلى العلة الحاملة لهم على قوله وهو قولهم :﴿أإذا كنا﴾ أي كوناً صار جبلة لنا ﴿عظاماً نخرة﴾ أي هي في غاية الانتخار حتى تفتتت، فكان الانتخار وهو البلى والتفتت والتمزق كأنه طبع لها طبعت عليه، وهي أصلب البدن فكيف بما عداها من الجسم، وعلى قراءة " ناخرة " المعنى أنها خلا ما فيها فصار الهواء ينخر فيها أي يصوّت.
ولما كان العامل في " إذا " مقدراً بنحو أن يقال : نرد إذ ذاك إلى حالتنا الأولى ونقوم كما كنا؟ دل على هذا المحذوف قوله تعالى عنهم :﴿قالوا﴾ أي مرة من المرات :﴿تلك﴾ أي الردة إلى الحالة الأولى العجيبة جداً البعيدة من العقل في زعمهم ﴿إذاً﴾ أي إذ نرد إلى حياتنا الأولى لا شيء لنا كما ولدنا لا شيء لنا، ونفقد كل ما سعينا في تحصيله وجمعه وتأثيله ﴿كرة﴾ أي رجعة وإعادة وعطفة ﴿خاسرة﴾ أي هي لشدة خسارتنا فيها بما فقدنا مما حصلناه من الحال والمآل وصالح الخلال، عريقة في الخسارة حتى كأنها هي الخاسرة، ولعله عبر بالماضي لأنهم ما سمحوا بهذا القول إلا مرة من الدهر، وأما أغلب قولهم فكان أنهم يكونون على تقدير البعث أسعد من المؤمنين على قياس ما هم عليه في الدنيا ونحو هذا من الكذب على الله.