ولما أشار إلى الحساب ذكر ما بعده فقال :﴿وبرزت﴾ أي أظهرت إظهاراً عظيماً، وبناه للمفعول لأن الهائل مطلق تبريزها لا كونه من معين، مع الدلالة على الخفة والسهولة لكونه على طريقة كلام القادرين ﴿الجحيم﴾ أي النار التي اشتد وقدها وحرها ﴿لمن يرى﴾ أي كائناً من كان لأنه لا حائل بين أحد وبين رؤيتها، لكن الناجي لا يصرف بصره إليها فلا يراها كما قال تعالى :﴿لا يسمعون حسيسها﴾ [ الأنبياء : ١٠٢ ].
ولما كان جواب " إذا " كما مضى محذوفاً، وكان تقديره أن قسم الناس قسمين : قسم للجحيم وقسم للنعيم، قال تعالى مسبباً عنه مفصلاً :﴿فأما من طغى﴾ أي تجاوز الحد في العدوان فلم يخش مقام ربه، قال في القاموس : طغى : جاوز القدر وارتفع وطغى : غلا في الكفر وأسرف في المعاصي والظلم، والماء : ارتفع.
ولما كان الذي بعد حدود الله هو الدنيا، صرح به فقال :﴿وآثر﴾ أي أكرم وقدم واختار ﴿الحياة الدنيا﴾ بأن جعل أثر العاجلة الدنية لحضورها عنده أعظم من أثر الآخرة العليا لغيابها، فكان كالبهائم لا إدراك له لغير الجزئيات الحاضرة، فانهمك في جميع أعمالها وأعرض عن الاستعداد للآخرة بالعبادة وتهذيب النفس فلم ينه نفسه عن الهوى.
ولما كان الإنسان مؤاخذاً بما اكتسب، سبب عن أعماله هذه قوله مؤكداً لتكذيبهم ذلك :﴿فإن الجحيم﴾ أي النار الشديدة التوقد العظيمة الجموع على من يدخلها ﴿هي﴾ أي لا غيرها ﴿المأوى﴾ أي المسكن له - هذا مذهب البصريين أن الضمير محذوف، وعند الكوفيين أن " أل " نائب عن الضمير - قاله أبو حيان.


الصفحة التالية
Icon