وقال الشيخ سيد قطب :
تعريف بسورة عبس
هذه السورة قوية المقاطع، ضخمة الحقائق، عميقة اللمسات، فريدة الصور والظلال والإيحاءات، موحية الإيقاعات الشعورية والموسيقية على السواء.
يتولى المقطع الأول منها علاج حادث معين من حوادث السيرة: كان النبي ( ﷺ ) مشغولابأمر جماعة من كبراء قريش يدعوهم إلى الإسلام حينما جاءه ابن أم مكتوم الرجل الأعمى الفقير - وهو لا يعلم أنه مشغول بأمر القوم - يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله، فكره رسول الله ( ﷺ ) هذا وعبس وجهه وأعرض عنه، فنزل القرآن بصدر هذه السورة يعاتب الرسول ( ﷺ ) عتابا شديدا ; ويقرر حقيقة القيم في حياة الجماعة المسلمة في أسلوب قوي حاسم، كما يقرر حقيقة هذه الدعوة وطبيعتها:(عبس وتولى أن جاءه الأعمى. وما يدريك لعله يزكى. أو يذكر فتنفعه الذكرى. أما من استغنى فأنت له تصدى ! وما عليك ألا يزكى ؟ وأما من جاءك يسعى وهو يخشى، فأنت عنه تلهى ؟! كلا ! إنها تذكرة، فمن شاء ذكره، في صحف مكرمة، مرفوعة مطهرة، بأيدي سفرة، كرام بررة)..
ويعالج المقطع الثاني جحود الإنسان وكفره الفاحش لربه، وهو يذكره بمصدر وجوده، وأصل نشأته، وتيسير حياته، وتولي ربه له في موته ونشره ; ثم تقصيره بعد ذلك في أمره:
(قتل الإنسان ما أكفره ! من أي شيء خلقه ؟ من نطفة خلقه فقدره، ثم السبيل يسره، ثم أماته فأقبره، ثم إذا شاء أنشره، كلا ! لما يقض ما أمره)..
والمقطع الثالث يعالج توجيه القلب البشري إلى أمس الأشياء به وهو طعامه وطعام حيوانه. وما وراء ذلك الطعام من تدبير الله وتقديره له، كتدبيرة وتقديره في نشأته:
(فلينظر الإنسان إلى طعامه، أنا صببنا الماء صبا. ثم شققنا الأرض شقا، فأنبتنا فيها حبا، وعنبا وقضبا، وزيتونا ونخلا، وحدائق غلبا، وفاكهة وأبا، متاعا لكم ولأنعامكم)..