فإن قال قائل : فلماذا لم يُعلِم الله رسوله ﷺ من وقت حضور ابن أم مكتوم بما تضمنه هذا التعليم الذي ذكرتم.
قلنا : لأن العلم الذي يحصل عن تبيُّن غفلة، أو إشعارٍ بخفاء يكون أرسخ في النفس من العلم المسوق عن غير تعطش ولأن وقوع ذلك بعد حصول سببه أشهر بين المسلمين وليحصل للنبيء ﷺ مزية كِلا المقامين : مقام الاجتهاد، ومقام الإِفادة.
وحكمة ذلك كله أن يُعلم الله رسوله ﷺ بهذا المهيع من عليِّ الاجتهاد لتكون نفسه غير غافلة عن مثله وليتأسى به علماء أمته وحكامها وولاة أمورها.
ونظير هذا ما ضَربه الله لموسى عليه السلام من المثَل في ملاقاة الخضر، وما جرى من المحاورة بينهما، وقول الخضر لموسى :﴿ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً ﴾ [ الكهف : ٦٨ ] ثم قوله له :﴿ ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً ﴾ [ الكهف : ٨٢ ].
وقد سبق مثله في الشرائع السابقة كقوله في قصة نوح :﴿ يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ﴾ [ هود : ٤٦ ] وقوله لإبراهيم :﴿ لا ينال عهدي الظالمين ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ].
هذا ما لاح لي في تفسير هذه الآيات تأصيلاً وتفصيلاً، وهو بناء على أساس ما سبق إليه المفسرون من جعلهم مناط العتاب مجموع ما في القصة من الإِعراض عن إرشاد ابن أم مكتوم، ومن العُبوس له، والتولّي عنه، ومن التصدّي القوي لدعوة المشرك والإِقبال عليه.


الصفحة التالية
Icon