ثم قال :﴿فَقَدَّرَهُ﴾ وفيه وجوه : أحدها قال الفراء : قدره أطواراً نطفة ثم علقة إلى آخر خلقه وذكراً أو أنثى وسعيداً أو شقياً وثانيها : قال الزجاج : المعنى قدره على الاستواء كما قال :﴿أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً﴾ [ الكهف : ٣٧ ]، وثالثها : يحتمل أن يكون المراد وقدر كل عضو في الكمية والكيفية بالقدر اللائق بمصلحته، ونظيره قوله :﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾ [ الفرقان : ٢ ].
وأما المرتبة الثانية : وهي المرتبة المتوسطة فهي قوله تعالى :
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
نصب السبيل بإضمار يسره، وفسره بيسره.
المسألة الثانية :
ذكروا في تفسيره أقوالاً أحدها : قال بعضهم : المراد تسهيل خروجه من بطن أمه، قالوا : إنه كان رأس المولود في بطن أمه من فوق ورجلاه من تحت، فإذا جاء وقت الخروج انقلب، فمن الذي أعطاه ذلك الإلهام إلا الله، ومما يؤكد هذا التأويل أن خروجه حياً من ذلك المنفذ الضيق من أعجب العجائب وثانيها : قال أبو مسلم : المراد من هذه الآية، هو المراد من قوله :﴿وهديناه النجدين﴾ [ البلد : ١٠ ] فهو يتناول التمييز بين كل خير وشر يتعلق بالدنيا، وبين كل خير وشر يتعلق بالدين أي جعلناه متمكناً من سلوك سبيل الخير والشر، والتيسير يدخل فيه الإقدار والتعريف والعقل وبعثة الأنبياء، وإنزال الكتب وثالثها : أن هذا مخصوص بأمر الدين، لأن لفظ السبيل مشعر بأن المقصود أحوال الدنيا ( لا ) أمور تحصل في الآخرة.
وأما المرتبة الثانية : وهي المرتبة الأخيرة، فهي قوله تعالى :
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١)


الصفحة التالية
Icon