قال الزجاج : وإنما قيل للكتاب سفر ( بكسر السين ) وللكاتب سَافر ؛ لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه يقال : أسفر الصبح، إذا أضاء وقاله الفراء.
ويجوز أن يراد بالصحف كتب الرسل الذين قبل محمد ﷺ مثل التوراة والإِنجيل والزبور وصحف إبراهيم عليه السلام.
فتكون هذه الأوصاف تأييداً للقرآن بأن الكتب الإلهية السابقة جاءت بما جاء به.
ومعنى كون هذه التذكرة في كتب الرسل السابقين : أن أمثال معانيها وأصولها في كتبهم، كما قال تعالى :﴿ إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ﴾ [ الأعلى : ١٨ ١٩ ] وكما قال :﴿ وإنه لفي زبر الأولين ﴾ [ الشعراء : ١٩٦ ] وكما قال :﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ﴾ [ الشورى : ١٣ ].
ويجوز أن يراد بالصحف صحفٌ مجازية، أي ذوات موجودةٌ قدسيةٌ يتلقى جبريل عليه السلام منها القرآن الذي يؤمر بتبليغه للنبيء ﷺ ويكون إطلاق الصحف عليها لشبهها بالصحف التي يكتب الناس فيها.
ومعنى ﴿ مكرمة ﴾ عناية الله بها، ومعنى ﴿ مرفوعة ﴾ أنها من العالم العلوي، ومعنى ﴿ مطهرة ﴾ مقدسة مباركة، أي هذه التذكرة مما تضمنه علم الله وما كتبه للملائكة في صحف قدسية.
وعلى الوجهين المذكورين في المراد بالصحف ( فَسَفَرة ) يجوز أن يكون جمع سَافر، مثل كاتب وكتبة، ويجوز أن يكون اسم جمع سَفير، وهو المرسَل في أمر مهم، فهو فَعيل بمعنى فاعل، وقياس جمعه سفراء وتكون ( في ) للظرفية المجازية، أي المماثلة في المعاني.
وتأتي وجوهٌ مناسبة في معنى ﴿ سفرة ﴾، فالمناسب للوجه الأول : أن يكون السفرة كتاب القرآن من أصحاب رسول الله ﷺ أو أن يكون المراد قراءُ القرآن، وبه فسر قتادة وقال : هم بالنبطية القُراء، وقال غيرهم : الوراقون باللغة العبرانية.


الصفحة التالية
Icon