قال الراغب :"لأن بررة أبلغ من أبرار إذ هو جمع بَرّ، وأبرار جمع بَار، وبَرّ أبلغ من بار كما أن عَدلا أبلغ من عادل".
وهذا تنويه بشأن القرآن لأن التنويه بالآيات الواردة في أول هذه السورة من حيث إنها بعض القرآن فأثني على القرآن بفضيلة أثَره في التذكير والإِرشاد، وبرفعة مكانته، وقدس مصدره، وكرم قراره، وطهارته، وفضائل حَمَلَتِه ومبلغيه، فإن تلك المدائح عائدة إلى القرآن بطريق الكناية.
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢)
استئناف ابتدائي نشأ عن ذكر من استغنى فإنه أريد به معين واحد أو أكثرُ، وذلك يبيِّنه مَا وقع من الكلام الذي دار بين النبي ﷺ وبين صناديد المشركين في المجلس الذي دخل فيه ابن أم مكتوم.
والمناسبة وصفُ القرآن بأنه تذكرة لمن شاء أن يتذكر، وإذ قد كان أكبر دواعيهم على التكذيب بالقرآن أنه أخبر عن البعث وطالَبهم بالإِيمان به كان الاستدلال على وقوع البعث أهم ما يعتنى به في هذا التذكير وذلك من أفنان قوله :﴿ فمن شاء ذكره ﴾ [ عبس : ١٢ ].
والذي عُرِّف بقوله :﴿ من استغنى ﴾ [ عبس : ٥ ] يشمله العموم الذي أفاده تعريف ﴿ الإِنسان ﴾ من قوله تعالى :﴿ قتل الإنسان ما أكفره ﴾.
وفعل قُتل فُلانٌ أصله دعاء عليه بالقتل.
والمفسرون الأولون جعلوا :﴿ قتل الإنسان ﴾ أنه لُعِن، رواه الضحاك عن ابن عباس وقاله مجاهد وقتادة وأبو مالك.
قال في "الكشاف" :"دعاء عليه وهذا من أشنع دعواتهم"، أي فمورده غير مورد قوله تعالى :﴿ قاتلهم اللَّه ﴾ [ التوبة : ٣٠ ] وقولِهم : قاتَل الله فلاناً يريدون التعجب من حاله، وهذا أمر مرجعه للاستعمال ولا داعي إلى حمله على التعجيب لأن قوله :﴿ ما أكفره ﴾ يغني عن ذلك.


الصفحة التالية
Icon