ومن المعلوم بالضرورة أن الكثير الذي لا يُحصى من أفراد النوع الإنساني قد صار أمره إلى الموت وأن من هو حيّ آيل إلى الموت لا محالة، فالمعنى : ثم أماته ويُميته.
فصيغة المضي في قوله :﴿ أماته ﴾ مستعملة في حقيقته وهو موت من مات، ومجازِه وهو موت من سيموتون، لأن موتهم في المستقبل محقق.
وذكر جملة :﴿ ثم أماته ﴾ توطئة وتمهيد لجملة ﴿ فأقبره ﴾.
وإسناد الإماتة إلى الله تعالى حقيقة عقلية بحسب عرف الاستعمال.
وهذا إدماج للامتنان في خلال الاستدلال كما أدمج :﴿ فقدره ثم السبيل يسره ﴾ فيما سبق.
و﴿ أقبره ﴾ جعله ذا قبر، وهو أخص من معنى قَبَره، أي أن الله سَبّب له أن يقبر.
قال الفراء :"أي جعله مقبوراً، ولم يجعله ممن يُلقى للطير والسباع ولا ممن يلقى في النواويس" ( جمع ناووس صندوق من حجر أو خشب يوضع فيه الميت ويجعل في بيت أو نحوه ).
والإِقبار : تهيئة القبر، ويقال : أقبره أيضاً، إذا أمر بأن يُقبر، ويقال : قبر المَيت، إذا دفنه، فالمعنى : أن الله جعل الناس ذوي قبور.
وإسناد الإِقبار إلى الله تعالى مجاز عقلي لأن الله ألهم الناس الدَّفن كما في قصة دفن أحد ابني آدم أخاه بإلهام تقليده لفعل غراب حفر لغراب آخر ميتتٍ حفرةً فواراه فيها، وهي في سورة العقود، فأسند الإِقبار إلى الله لأنه ألهم الناس إياه.
وأكد ذلك بما أمر في شرائعه من وجوب دفن المَيت.
والقول في أن صيغة المضي مستعملة في حقيقتها ومجازها نظير القول في صيغة ﴿ أماته ﴾.


الصفحة التالية
Icon