و " الصحف " على هذا صحف عند الملائكة أو اللوح، وعلى القول الآخر هي المصاحف، وقوله تعالى :﴿ قتل الإنسان ما أكفره ﴾ دعاء على اسم الجنس وهم عموم يراد به الخصوص، والمعنى : قتل الإنسان الكافر، ومعنى ﴿ قتل ﴾ أي هو أهل أن يدعى عليه بهذا، وقال مجاهد :﴿ قتل ﴾ بمعنى لعن، وهذا تحكم، وقوله تعالى :﴿ ما أكفره ﴾ يحتمل معنى التعجب، ويحتمل معنى الاستفهام توقيفاً أي أيّ شيء ﴿ أكفره ﴾ أي جعله كافراً، وقيل إن هذه الآية نزلت في عتبة بن أبي لهب، وذلك أنه غاضب أباه فأتى النبي ﷺ ثم إن أباه استصلحه وأعطاه مالاً وجهزه إلى الشام، فبعث عتبة إلى النبي ﷺ وقال : إني كافر برب النجم إذا هوى، فيروى أن رسول الله ﷺ قال :
" اللهم ابعث عليه كلبك حتى يأكله " ويروى أنه قال :" ما يخاف أن يرسل عليك كلبه "، ثم إن عتبة خرج في سفرة فجاء الأسد فأكله بين الرفقة.
" العبوس " : تقطب الوجه واربداده عند كراهية أمر، وفي مخاطبته بلفظ ذكر الغائب مبالغة في العتب لأن في ذلك بعض الإعراض، وقال كثير من العلماء وابن زيد وعائشة وغيرها من الصحابة : لو كان رسول الله ﷺ كاتماً شيئاً من الوحي، لكتم هذه الآيات، وآيات قصة زيد وزينب بنت جحش، " والتولي " : هنا الإعراض، و﴿ أن ﴾ : مفعول من أجله، وقرأ الحسن ﴿ أن جاءه ﴾ بمدة تقرير وتوقيف والوقف مع هذه القراءة على ﴿ تولى ﴾ وهي قراءة عيسى. وذكر الله تعالى ابن مكتوم بصفة العمى ليظهر المعنى الذي شأن البشر احتقاره، وبين أمره بذكر ضده من غنى ذلك الكافر، وفي ذلك دليل على أن ذكر هذه العاهات متى كانت المنفعة أو لأن شهرتها تعرف السامع صاحبها دون لبس جائز، ومنه قول المحدثين سلمان الأعمش وعبد الرحمن الأعرج وسالم الأفطس ونحو هذا.