لما قصره سبحانه على إنذاره من يخشى، وكان قد جاءه ـ ﷺ ـ عبد الله بن أم مكتوم الأعمى رضي الله تعالى عنه، وكان من السابقين، وكان النبي ـ ﷺ ـ حين مجيئه مشتغلاً بدعاء ناس من صناديد قريش إلى الله تعالى، وقد وجد منهم نوع لين، فشرع عبد الله ـ رضى الله عنه ـ يسأله وهو لا يعلم ما هو فيه من الشغل، يسأله أن يقرئه ويعلمه مما عمله الله فكره أن يقطع كلامه مع أولئك خوفاً من أن يفوته منهم ما يرجوه من إسلامهم المستتبع لإسلام ناس كثير من أتباعهم، فكان يعرض عنه ويقبل عليهم، وتظهر الكراهة في وجهه، لاطفه سبحانه وتعالى بالعتاب عن التشاغل عن أهل ذلك بالتصدي لمن شأنه أن لا يخشى لافتتانه بزينة الحياة الدنيا وإقباله بكليته على ما يفنى، فقال مبيناً لشرف الفقر وعلو مرتبته وفضل أهل الدين وإن هانوا، وخسة أهل الدنيا وإن زانوا، معظماً له ـ ﷺ ـ بسياق الغيبة كما قال سعد بن معاذ ـ رضى الله عنه ـ لما حكم في بني قريظة : وعلى من ههنا - يشير إلى ناحية النبي ـ ﷺ ـ وهو معرض عنها حياء منه ـ ﷺ ـ وإجلالاً له :﴿عبس﴾ أي فعل الذي هو أعظم خلقنا ونجله عن أن نواجهه بمثل هذا العتاب بوجهه فعل الكاره للشيء من تقطيب الوجه بما له من الطبع البشري حين يحال بينه وبين مراده، وآذن بمدحه ـ ﷺ ـ بأن ذلك خلاف ما طبعه عليه سبحانه من رحمة المساكين ومحبتهم والسرور بقربهم وصحبتهم بقوله ﴿وتولى﴾ أي كلف نفسه الإعراض عنه رجاء أن يسلم أولئك الأشراف الذين كان يخاطبهم فيتأيد بهم الإسلام ويسلم بإسلامهم أتباعهم فتعلو كلمة الله لأجل ﴿أن جاءه الأعمى﴾ الذي ينبغي أن يبالغ في العطف عليه وفي إكرامه جبراً لكسره واعترافاً بحقه في مجيئه، وذكره بالوصف للإشعار بعذره في الإقدام على قطع الكلام والبعث على الرأفة به والرحمة له، فكان النبي صلى الله