القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام تمسكوا بهذه الآية وقالوا : لما عاتبه الله في ذلك الفعل، دل على أن ذلك الفعل كان معصية، وهذا بعيد فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين لا بحسب هذا الاعتبار الواحد، وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وذلك غير لائق بصلابة الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا كان كذلك، كان ذلك جارياً مجرى ترك الاحتياط، وترك الأفضل، فلم يكن ذلك ذنباً ألبتة.
المسألة الثالثة :
أجمع المفسرون على أن الذي عبس وتولى، هو الرسول عليه الصلاة والسلام، وأجمعوا ( على ) أن الأعمى هو ابن أم مكتوم، وقرىء عبس بالتشديد للمبالغة ونحوه كلح في كلح، أن جاءه منصوب بتولى أو بعبس على اختلاف المذهبين في إعمال الأقرب أو الأبعد ومعناه عبس، لأن جاءه الأعمى، وأعرض لذلك، وقرىء أن جاءه بهمزتين، وبألف بينهما وقف على ﴿عَبَسَ وتولى﴾ ثم ابتدأ على معنى ألآن جاءه الأعمى، والمراد منه الإنكار عليه، واعلم أن في الأخبار عما فرط من رسول الله ثم الإقبال عليه بالخطاب دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانياً جنى عليه، ثم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجهاً بالتوبيخ وإلزام الحجة.
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤)