قال أنس : فرأيته يوم القادسية راكباً وعليه درع ومعه راية سوداء.
الرابعة قال علماؤنا : ما فعله ابن أمّ مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالماً بأن النبي ﷺ مشغول بغيره، وأنه يرجو إسلامهم، ولكن الله تبارك وتعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصُّفَّة ؛ أو ليعلم أن المؤمن الفقير خير من الغني، وكان النظر إلى المؤمن أولى وإن كان فقيراً أصلح وأولى من الأمر الآخر، وهو الإقبال على الأغنياء طمعاً في إيمانهم، وإن كان ذلك أيضاً نوعاً من المصلحة، وعلى هذا يخرج قوله تعالى :﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى ﴾ [ الأنفال : ٦٧ ] الآية.
على ما تقدّم.
وقيل : إنما قصد النبي ﷺ تأليف الرجل، ثقة بما كان في قلب ابن أمّ مكتوم من الإيمان ؛ كما قال :" إني لأصل الرجل وغيره أحب إليّ منه، مخافة أن يكُبه الله في النار على وجهه ".
الخامسة قال ابن زيد : إنما عبس النبي ﷺ لابن أمّ مكتوم وأعرض عنه ؛ لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه، فدفعه ابن أمّ مكتوم، وأبى إلا أن يكلم النبي ﷺ حتى يعلمه، فكان في هذا نوعُ جفاء منه.
ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه ﷺ :"عبَس وتولَّى" بلفظ الإخبار عن الغائب، تعظيماً له ولم يقل : عبَستَ وتوليتَ.
ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيساً له فقال :﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ أي يعلمك ﴿ لَعَلَّهُ ﴾ يعني ابن أمّ مكتوم ﴿ يزكى ﴾ بما استدعى منك تعليمه إياه من القرآن والدين، بأن يزداد طهارة في دينه، وزوال ظلمة الجهل عنه.
وقيل : الضمير في "لعله" للكافر يعني إنك إذا طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذَّكر، فتقربه الذكرى إلى قبول الحق وما يُدْريك أن ما طمعت فيه كائن.


الصفحة التالية
Icon