يقول الأخ : ما واسيتني بمالك، والأبوان يقولان قصرت في برنا، والصاحبة تقول أطعمتني الحرام، وفعلت وصنعت، والبنون يقولون : ما علمتنا وما أرشدتنا، وقيل : أول من يفر من أخيه هابيل، ومن أبويه إبراهيم، ومن صاحبته نوح ولوط، ومن ابنه نوح، ويحتمل أن يكون المراد من الفرار ليس هو التباعد، بل المعنى أنه يوم يفر المرء من موالاة أخيه لاهتمامه بشأنه، وهو كقوله تعالى :﴿إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ﴾
[ البقرة : ١٦٦ ] وأما الفرار من نصرته، وهو كقوله تعالى :﴿يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً﴾ [ الدخان : ٤١ ] وأما ترك السؤال وهو كقوله تعالى :﴿ولا يسأل حميم حميماً﴾ [ المعارج : ١٠ ].
المسألة الثانية :
المراد أن الذين كان المرء في دار الدنيا يفر إليهم ويستجير بهم، فإنه يفر منهم في دار الآخرة، ذكروا في فائدة الترتيب كأنه قيل :﴿يوم يفر المرء من أخيه﴾ بل من أبويه فإنهما أقرب من الأخوين بل من الصاحبة والولد، لأن تعلق القلب بهما أشد من تعلقه بالأبوين.
ثم إنه تعالى لما ذكر هذا الفرار أتبعه بذكر سببه فقال تعالى :﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأَنٌ يُغْنِيهِ ﴾.
وفي قوله :﴿يغنيه﴾ وجهان الأول : قال ابن قتيبة : يغنيه أي يصرفه ويصده عن قرابته وأنشد :
سيغنيك حرب بني مالك.. عن الفحش والجهل في المحفل
أي سيشغلك، ويقال أغن عني وجهك أي أصرفه الثاني : قال أهل المعاني : يغنيه أي ذلك الهم الذي بسبب خاصة نفسه قد ملأ صدره، فلم يبق فيه متسع لهم آخر، فصارت شبيهاً بالغنى في أنه حصل عنده من ذلك المملوك شيء كثير.
واعلم أنه تعالى لما ذكر حال يوم القيامة في الهول، بين أن المكلفين فيه على قسمين منهم السعداء، ومنهم الأشقياء فوصف السعداء بقوله تعالى :﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ﴾.
﴿ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ﴾.


الصفحة التالية
Icon