ثم شرع سبحانه في بيان أحوال المعاد فقال :﴿ فَإِذَا جَاءتِ الصاخة ﴾ يعني : صيحة يوم القيامة، وسميت صاخة لشدّة صوتها ؛ لأنها تصخ الأذان : أي تصمها فلا تسمع.
وقيل : سميت صاخة ؛ لأنها يصيخ لها الأسماع، من قولك : أصخ إلى كذا أي : استمع إليه، والأوّل أصح.
قال الخليل : الصاخة صيحة تصخ الآذان حتى تصمها بشدّة وقعها، وأصل الكلمة في اللغة مأخوذة من الصكّ الشديد، يقال صخه بالحجر : إذا صكه بها، وجواب إذا محذوف يدل عليه قوله :﴿ لِكُلّ امرىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ أي : فإذا جاءت الصاخة اشتغل كل أحد بنفسه، والظرف في قوله :﴿ يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ ﴾ إما بدل من إذا جاءت، أو منصوب بمقدّر أي : أعني، ويكون تفسيراً للصاخة، أو بدلاً منها مبنيّ على الفتح، وخصّ هؤلاء بالذكر ؛ لأنهم أخصّ القرابة، وأولاهم بالحنوّ والرأفة، فالفرار منهم لا يكون إلاّ لهول عظيم، وخطب فظيع.
﴿ لِكُلّ امرىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ أي : لكل إنسان يوم القيامة شأن يشغله عن الأقرباء، ويصرفه عنهم.
وقيل : إنما يفرّ عنهم حذراً من مطالبتهم إياه بما بينهم، وقيل : يفرّ عنهم ؛ لئلا يروا ما هو فيه من الشدّة.
وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه، ولا يغنون عنه شيئًا، كما قال تعالى :
﴿ يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً ﴾ [ الدخان : ٤١ ] والجملة مستأنفة مسوقة لبيان سبب الفرار.
قال ابن قتيبة :﴿ يغنيه ﴾ أي : يصرفه عن قرابته، ومنه يقال : أغن عني وجهك أي : اصرفه.
قرأ الجمهور ( يغنيه ) بالغين المعجمة.
وقرأ ابن محيصن بالعين المهملة مع فتح الياء أي : يهمه، من عناه الأمر إذا أهمه.