ولما ذكر اليوم، قسم أهله إلى القسمين المقصودين بالتذكرة أول السورة، فقال دالاًّ على البواطن بأشرف الظواهر :﴿وجوه يومئذ﴾ أي إذ كان ما تقدم من الفرار وغيره ﴿مسفرة﴾ أي بيض مضيئة بالإشراق والاستنارة، من أسفر الصبح - إذا أشرق واستنار ﴿ضاحكة﴾ لما علمت من سعادتها ﴿مستبشرة﴾ أي طالبة للبشر وهو تغير البشرة من السرور وموجدة لذلك، وهي بيضاء نيره بما يرى من تبشير الملائكة، وذلك بما كانت فيه في الدنيا من عبوس الوجوه وتغيرها وشحوبها من خشية الله تعالى وما يظهر من جلاله في الساعة كابن أم مكتوم ـ رضى الله عنه ـ الذي كان يحمله خوف الساعة على حمل الراية في أشد الحروب كيوم القادسية والثبات بها حتى يكون كالعمود، لا يزول عن مركزه أصلاً ليرضي المعبود.
ولما ذكر أهل السعادة الذين هم المقبلون على الخير المصابون في أنفسهم بما يكفر سيئاتهم ويعلي درجاتهم، ذكر أضدادهم فقال تعالى :﴿ووجوه﴾ وأكد بإعادة الظرف لإزالة الشبهة فقال :﴿يومئذ﴾ أي إذ وجد ما ذكر ﴿عليها﴾ أي ملاصقة لها مع الغلبة والعلو ﴿غبرة﴾ أي اربداد وكأنه بحيث يصير كأنه قد علاها غبار وهي عابسة حذرة وجلة منذعرة، وذلك مما يلحقها من المشقات وكثرة الزحام مع رعب الفؤاد، وتذكر ما هي صائرة إليه من الأنكاد الشداد ﴿ترهقها﴾ أي تغشاها وتقهرها وتعلوها ﴿قترة﴾ أي كدورة وسواد وظلمة ضد الإسفار فهي باكية عابسة مما كانت فيه في الدنيا من الفرح واللعب والضحك والأمن من العذاب، فالآية من الاحتباك : ذكر الإسفار والبشر أولاً يدل على الخوف والذعر ثانياً، وذكر الغبرة ثانياً يدل عل البياص والنور أولاً، وسر ذلك أنه ذكر دليل الراحة ودليل التعب لظهورهما ترغيباً وترهيباً.