داهيةٍ من تلكَ الدواهِي بلْ عند نشرِ الصحفِ إلا أنَّه لما كانَ بعضُ تلك الدَّواهِي من مباديهِ وبعضُها من روادفِه نُسبَ علمُها بذلكَ إلى زمانِ وقوعِ كُلِّها تهويلاً للخطب وتفظيعاً للحال، والمرادُ بمَا أَحضرتْ أعمالُها من الخيرِ والشرِّ وبحضورِها إما حضورُ صحائِفها كما يعربُ عنه نشرُها وإما حضورُ أنفسِها على ما قالُوا من أنَّ الأعمالَ الظاهرةَ في هذه النشأةِ بصور عرضيةٍ تبرزُ في النشأة الآخرةِ بصور جوهريةٍ مناسبةٍ لها في الحسنِ والقُبحِ على كيفياتٍ مخصوصةٍ وهيئاتٍ مُعينةٍ حتى إنَّ الذنوبَ والمعاصيَ تتجسمُ هنالكَ وتتصورُ بصورةِ النَّارِ. وعَلى ذلكَ حُملَ قولُه تعالى :﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين ﴾ وقولُه تعالَى :﴿ إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً ﴾ وكذا قولُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في حقِّ من يشربُ من آنيةِ الذهبِ والفضَّةِ " إنما يُجرجرُ في بطنِه نارَ جهنمَ " ولا بُعدَ في ذلكَ، ألا يرى أن العلمَ يظهرُ في عالمِ المثالِ على صُورةِ اللبنِ كما لا يَخْفى على مَنْ له خبرةٌ بأحوالِ الحضرات الخمس وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه يؤتى بالأعمال الصالحةِ على صورٍ حسنةٍ وبالأعمال السيئةِ على صورٍ قبيحةٍ فتوضعُ في الميزان وأيَّاً ما كانَ فإسنادُ إحضارِها إلى النفسِ مَعَ أنَّها تحضرُ بأمرِ الله تعالى كما ينطقُ به قولُه تعالى :


الصفحة التالية
Icon