القول الثاني : أن هذا الذي أخبركم به محمد من أمر الساعة على ما ذكر في هذه السورة ليس بكهانة ولا ظن ولا افتعال، إنما هو قول جبريل أتاه به وحياً من عند الله تعالى، واعلم أنه تعالى وصف جبريل ههنا بصفات ست أولها : أنه رسول ولا شك أنه رسول الله إلى الأنبياء فهو رسول وجميع الأنبياء أمته، وهو المراد من قوله :﴿يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآء مِنْ عِبَادِهِ﴾ [ النحل : ٢ ] وقال :﴿نَزَلَ بِهِ الروح الامين * على قَلْبِكَ﴾ [ الشعراء : ١٩٤ ١٩٣ ] وثانيها : أنه كريم، ومن كرمه أنه يعطي أفضل العطايا، وهو المعرفة والهداية والإرشاد.
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)
وثالثها : قوله :﴿ذِى قُوَّةٍ﴾ ثم منهم من حمله على الشدة، روى أنه عليه الصلاة والسلام قال لجبريل " ذكر الله قوتك، فماذا بلغت ؟ قال رفعت قريات قوم لوط الأربع على قوادم جناحي حتى إذا سمع أهل السماء نباح الكلاب وأصوات الدجاج قلبتها " وذكر مقاتل أن شيطاناً يقال له الأبيض صاحب الأنبياء قصد أن يفتن النبي ﷺ فدفعه جبريل دفعة رقيقة وقع بها من مكة إلى أقصى الهند، ومنهم من حمله على القوة في أداء طاعة الله وترك الإخلال بها من أول الخلق إلى آخر زمان التكليف، وعلى القوة في معرفة الله وفي مطالعة جلال الله.
ورابعها : قوله تعالى :﴿عِندَ ذِى العرش مَكِينٍ﴾ وهذه العندية ليست عندية المكان، مثل قوله :﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [ الأنبياء : ١٩ ] وليست عندية الجهة بدليل قوله "أنا عند المنكسرة قلوبهم" بل عندية الإكرام والتشريف والتعظيم.
وأما ﴿مَّكِينٍ﴾ فقال الكسائي : يقال قد مكن فلان عند فلان بضم الكاف مكناً ومكانة، فعلى هذا المكين هو ذو الجاه الذي يعطي ما يسأل.
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)


الصفحة التالية
Icon