﴿ والصبح إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ فإنه أول النهار فيناسب أول الليل وقيل كونه بمعنى أدبر أنسب بهذا لما بين أدبار الليل وتنفس الصبح من الملاصقة فيكون بينهما مناسبة الجوار والمراد من تنفس الصبح على ما ذكر غير واحد إضاءته وتبلجه وفي "الكشاف" أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك نفساً له على المجاز وقيل تنفس الصبح وعنى بالمجاز الاستعارة لأنه لما كان النفس ريحاً خاصاً يفرح عن القلب انبساطاً وانقباضاً شبه ذلك النسيم بالنفس وأطلق عليه الاسم استعارة وجعل الصبح متنفساً لمقارنته له ففي الكلام استعارة مصرحة وتجوز في الإسناد وظاهر كلام بعضهم أنه بعد الاستعارة يكون ذلك كناية عن الإضاءة وجوز أن يكون هناك مكنية وتخييلية بأن يشبه الصبح بماش وآت من مسافة بعيدة ويثبت له التنفس المراد به هبوب نسيمه مجازاً على طريق التخييل كما في ﴿ ينقضون عهد الله ﴾ [ البقرة : ٢٧ ] وقال الإمام النهار بغشيان الليل المظلم كالمكروب وكما أنه يجد راحة بالتنفس كذلك تخلص الصبح من الظلام وطلوعه كأنه تخلص من كرب إلى راحة وهذا أدق مما في "الكشاف" كما لا يخفى وجوز أن يقال إن الليل لما غشي النهار ودفع به إلى تحت الأرض فكأنه أماته ودفنه فجعل ظهور ضوئه كالتنفس الدال على الحياة وهو نحو مما نقل عن الإمام وقيل تنفس أي توسع وامتد حتى صار نهاراً والظاهر أن التنفس في الآية إشارة إلى الفجر الثاني الصادق وهو المنتشر ضوءه معترضاً بالأفق بخلاف الأول الكاذب وهو ما يبدو مستطيلاً وأعلاه أضوأ منت باقيه ثم يعدم وتعقبه ظلمة أو يتناقص حتى ينغمر في الثاني على زعم بعض أهل الهيئة أو يختلف حاله في ذلك تارة وتارة بحسب الأزمنة والعروض على ما قيل وسمي هذا الكاذب عارضاً ففي خبر مسلم " لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا العارض لعمود الصبح حتى يستطير " أي ينتشر ذلك العموم في نواحي الأفق وكلام بعض الأجلة يشعر بأنه فيها إشارة إلى الكاذب حيث قال يؤخذ من


الصفحة التالية
Icon