والقراءة بالظاء حسنة على التأويل الذي جرينا عليه لأن قومه لا يتهمونه بالبخل ويعرفون كرمه، ولو أريد البخل على القراءة بالضاد لقال (بالغيب) لأن فعله يتعدى به ويقال بخل به لا عليه فلا تجوز "وَما هُوَ" أي القرآن بقول "شَيْطانٍ رَجِيمٍ ٢٥" تتلقاه الكهنة والسحرة كما تزعم قريش ولا عن لسان الشيطان بل وحي إلهي من اللّه إلى رسوله "فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ٢٦" فيما تتقولون مذاهب شتى لا نصيب لها من الصحة، وهذا استفهام تضليل لهم كما يقال لتارك الجادة المستقيمة إذا ضل السبيل وسلك السبل العديدة المنشعبة عن الطريق يمينا وشمالا : اين تذهب فقد ضللت أي اي طريق تسلكونه، أبين من طريق محمد الذي فيه الهداية إلى النجاة "إِنْ هُوَ" ما هذا القرآن المنزل عليه "إِلَّا ذِكْرٌ" عظة وعبرة "لِلْعالَمِينَ ٢٧" اجمع وهو تذكرة ايضا "لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ" ايها الناس "أَنْ يَسْتَقِيمَ ٢٨" على الحق ويتمسك بطريق الاستقامة وذلك لان مشيئة العبد بسلوك ما يوصل المعبود موقوفة على مشيئته قال سلمان بن موسى لما نزلت هذه الآية قال أبو مهل، ذلك إلينا ان شئنا استقمنا وإلا فلا فأنزل اللّه بعدها "وَما تَشاؤُنَ" أيها الناس فعل شيء ولا تركه "إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ٢٩" فعله لأنه مالك الخلق كلهم وأعمالهم فلا يقدر أحد ان يعمل خيرا الا بتوفيقه ولا شرا الا بخذلانه.
وفقنا اللّه لما به سعادة الدارين آمين، واللّه أعلم، واستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة الا باللّه العلي العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى صحبه أجمعين. أ هـ ﴿بيان المعاني حـ ١ صـ ١٢٣ ـ ١٣٠﴾


الصفحة التالية
Icon