ولما كان المهول مطلق تكويرها الدال على عظمة مكورها، بني للمفعول على طريقة كلام القادرين قوله :﴿كورت﴾ أي لفت بأيسر أمر من غير كلفة ما أصلاً، فأدخلت في العرش - كما قاله ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ فذهب ما كان ينبسط من نورها، من كورت العمامة - إذا لففتها فكان بعضها على بعض وانطمس بعضها ببعض، والثوب - إذا جمعته فرفعته، فالتكوير كناية عن رفعها أو إلقائها في جهنم زيادة في عذاب أهلها ولا سيما عبدتها، أو ألقيت عن فلكها، من طعنه فكوره أي ألقاه مجتمعاً، والتركيب للإدارة والجمع والرفع للشمس، فعل دل عليه " كورت " لأن " إذا " تطلب الفعل لما فيها من معنى الشرط، ولما كان التأثير في الأعظم دالاًّ على التأثير فيما دونه بطريق الأولى، أتبع ذلك قوله معمماً بعد التخصيص :﴿وإذا النجوم﴾ أي كلها صغارها وكبارها ﴿انكدرت﴾ أي انقضّت فتهاوت وتساقطت وتناثرت حتى كان ذلك كأنه بأنفسها من غير فعل فاعل في غاية الإسراع، أو أظلمت، من كدرت الماء فانكدر، قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة - في البحر ثم يبعث عليها ريحاً دبوراً فتضرمها فتصير ناراً، وقال الكلبي وعطاء : تمطر السماء يومئذ نجوماً، لا يبقى نجم إلاّ وقع.
ولما بدأ بأعلام السماء لأنها أشهر وأعم تخويفاً وإرهاباً، وذكر منها اثنين هما أشهر ما فيها وأعمها نفعاً، أتبعها أعلام الأرض فقال مكرراً للظرف لمزيد الاعتناء بالتهويل :﴿وإذا الجبال﴾ أي التي هي في العالم السفلي كالنجوم في العالم العلوي، وهي أصلب ما في الأرض، ودل على عظمة القدرة بالبناء للمفعول فقال :﴿سيرت﴾ أي وقع تسييرها بوجه الأرض فصارت كأنها السحاب في السير والهباء في النثر لتستوي الأرض فتكون قاعاً صفصفاً لا عوج فيها، لأن ذلك اليوم لا يقبل العوج في شيء من الأشياء بوجه.


الصفحة التالية
Icon