وقال ابن عاشور :
﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) ﴾
الافتتاح بـ ﴿ ذا ﴾ افتتاح مشوِّق لأن ﴿ إذا ﴾ ظرف يستدعي متعلَّقاً، ولأنه أيضاً شرط يؤذن بذكر جَواب بعده، فإذا سمعه السامع ترقب ما سيأتي بعده فعند ما يسمعه يتمكن من نفسه كمال تمكّن، وخاصة بالإطناب بتكرير كلمة ﴿ إذا ﴾.
وتعدّدِ الجمل التي أضيف إليها اثنتيْ عشرة مرة، فإعادة كلمة ﴿ إذا ﴾ بعد واو العطف في هذه الجمل المتعاطفة إطناب، وهذا الإِطناب اقتضاهُ قصد التهويل، والتهويل من مقتضيات الإِطناب والتكرير، كما في قصيدة الحارث بن عَبَّاد البَكري :
قرّبا مَربط النعامة مني الخ
وفي إعادة ﴿ إذا ﴾ إشارة إلى أن مضمون كل جملة من هذه الجمل الثنتي عشرة مستقل بحصول مضمون جملة الجواب عند حصوله بقطع النظر عن تفاوت زمان حصول الشروط فإن زمن سؤال الموءودة ونشر الصحف أقرب لعلم النفوس بما أحضرت أقرب من زمان تكوير الشمس وما عطف عليه مما يحصل قبل البعث.
وقد ذكر في هذه الآيات اثنا عشر حدثاً فستة منها تحصل في آخر الحياة الدنيوية، وستة منها تحصل في الآخرة.
وكانت الجمل التي جعلت شروطاً ل ﴿ إذا ﴾ في هذه الآية مفتتحة بالمسند إليه المخبَر عنه بمسندٍ فعْلِيَ دون كونها جملاً فعلية ودون تقدير أفعال محذوفة تفسرها الأفعال المذكورة وذلك يؤيد قول نحاة الكوفة بجواز وقوع شرط ﴿ إذا ﴾ جملة غيرَ فعلية وهو الراجع لأن ﴿ إذا ﴾ غير عريقة في الشرط.
وهذا الأسلوب لقصد الاهتمام بذكر ما أسندت إليه الأفعال التي يغلب أن تكون شروطاً ل ﴿ إذا ﴾ لأن الابتداء بها أدخل في التهويل والتشويق وليفيد ذلك التقديمُ على المسند الفعلي تَقَوِّيَ الحكم وتأكيده في جميع تلك الجمل رداً على إنكار منكريه فلذلك قيل :﴿ إذا الشمس كورت ﴾ ولم يقل : إذا كورت الشمس، وهكذا نظائره.
وجواب الشروط الاثني عشر هو قوله :﴿ علمت نفس ما أحضرت ﴾ وتتعلق به الظروف المشْرَبة معنى الشرط.


الصفحة التالية
Icon