فواعده فخرج النبي ﷺ للوقت، فإذا هو قد أقبل بخَشْخَشةٍ وكَلْكلةٍ من جبال عَرَفات، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ؛ ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فلما رآه النبي ﷺ خرّ مغشياً عليه، فتحول جبريل في صورته، وضمه إلى صدره.
وقال : يا محمد لا تخف ؛ فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل أحياناً من خشية الله، حتى يصير مثل الوَصَع يعني العصفور حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته " وقيل : إن محمداً عليه السلام رأى ربه عز وجل بالأفق المبين.
وهو معنى قول ابن مسعود.
وقد مضى القول في هذا في "والنجم" مستوفًى، فتأمله هناك.
وفي "المبين" قولان : أحدهما أنه صفة الأفق ؛ قاله الربيع.
الثاني أنه صفة لمن رآه ؛ قاله مجاهد.
﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ ﴾ : بالظاء، قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائيّ، أي بمتَّهم، والظنة التُّهمَة ؛ قال الشاعر :
أما وكِتاب اللَّهِ لا عن شناءةٍ...
هُجِرتُ ولكِنّ الظنِينَ ظَنِينُ
واختاره أبو عُبيد ؛ لأنهم لم يُبَخِّلوه ولكن كذبوه ؛ ولأن الأكثر من كلام العرب : ما هو بكذا، ولا يقولون : ما هو على كذا، إنما يقولون : ما أنت على هذا بمتَّهم.
وقرأ الباقون "بِضَنِينٍ" بالضاد : أي ببخيل من ضَنِنْت بالشيء أضنّ ضِنًّا ( فهو ) ضنِين.
فروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : لا يضنّ عليكم بما يعلم، بل يُعَلِّم الخَلْقَ كلام الله وأحكامه.
وقال الشاعر :
أَجود بِمكنونِ الحديثِ وإننِي...
بِسِرِّكِ عمن سالنِي لضَنِينُ
والغَيْب : القرآن وخبر السماء.
ثم هذا صفة محمد عليه السلام.
وقيل : صفة جبريل عليه السلام.
وقيل : بظَنين : بضعيف.
حكاه الفراء والمبرد ؛ يقال : رجل ظنِين : أي ضعيف.
وبئر ظَنونٌ : إذا كانت قليلة الماء ؛ قال الأعشى :
ما جُعِل الجُدُّ الظَّنونُ الذي...


الصفحة التالية