هذا وقد ألمعنا قبل إلى أن هذه الآية من باب تلقين الحجة للعبد حتى يقول غرني كرمك يا رب تفطينا للجواب الذي لقنه وتعريضا لألطافه عليه كالتعريض بذكر الرحمن في بعض الآيات دون غيره من الصفات، وقد يكون هذا لمن يريد اللّه رحمته من المؤمنين العاصين ولهم أعمال صالحة، لا للكافرين والمشركين، وقد وصف جل شأنه بقوله "الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ" ٧ وجعلك متناسب الخلق ماشيا على قدميك آكلا بيدك "فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ" ٨ من الصور التي اقتضتها مشيئته من الحسن والكمال والشبه بأبويك أو أحدهما أو غيرهما من جنسك في الطول والقصر والبياض والحمار "كَلَّا" لا تغتروا بكرم اللّه فتعبدوا غيره أو تشركوا به شيئا أو تجعلوه ذريعة لارتكاب المعاصي ولا تغفلوا عمن أنشأكم من العدم إلى الوجود وغمركم بنعمه "بَلْ تُكَذِّبُونَ" باعتقادكم هذا "بِالدِّينِ" ٩ الذي جاءكم به رسولكم، دين أبيكم إبراهيم، دين الاعتقاد بالإله الواحد والرسل والبعث والجزاء عقابا وثوابا، وكيف تكذبون به "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ" ١٠ مراقبين يدونون كل ما يقع منكم
"كِراماً كاتِبِينَ" ١١ لأقوالكم وأفعالكم وإثباتها في صحفكم المحفوظة لديهم بأمرنا "يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ" ١٢ بسركم وجهركم لا يخفى عليه شيء من أحوالكم.
مطلب في الحفظة الكرام وعددهم، وبحث في الشفاعة وسلمان بن عبد اللّه :
كان الفضيل رحمه اللّه إذا قرأ هذه الآية قال ما أشدها على الغافلين.
وفي تعظيم الكاتبين بالثناء عليهم تفخيم لأمر الجزاء، وإعلام بأنه عند اللّه من جلائل الأمور، إذ استعمل عليه هؤلاء الكرام عنده الذين لا يعصونه طرفة عين.
وهؤلاء غير الحفظة المذكورين في الآية ١٣ من سورة الرعد الآتية في ج ٣ لأن مع كل إنسان عددا من الملائكة، روي عن عثمان أنه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كم من ملك على الإنسان