وأما الثاني : فقوله :﴿وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ﴾ فاعلم أن بعثر وبحثر بمعنى واحد، ومركبان من البعث والبحث مع راء مضمومة إليهما، والمعنى أثيرت وقلب أسفلها أعلاها وباطنها ظاهرها، ثم ههنا وجهان أحدهما : أن القبور تبعثر بأن يخرج ما فيها من الموتى أحياء، كما قال تعالى :﴿وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا﴾ [ الزلزلة : ٢ ] والثاني : أنها تبعثر لإخراج ما في بطنها من الذهب والفضة، وذلك لأن من أشراط الساعة أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها من ذهبها وفضتها، ثم يكون بعد ذلك خروج الموتى، والأول أقرب، لأن دلالة القبور على الأول أتم.
المقام الثاني : في فائدة هذا الترتيب، واعلم أن المراد من هذه الآيات بيان تخريب العالم وفناء الدنيا، وانقطاع التكاليف، والسماء كالسقف، والأرض كالبناء، ومن أراد تخريب دار، فإنه يبدأ أولاً بتخريب السقف، وذلك هو قوله :﴿إِذَا السماء انفطرت﴾ ثم يلزم من تخريب السماء انتثار الكواكب، وذلك هو قوله :﴿وَإِذَا الكواكب انتثرت﴾ ثم إنه تعالى بعد تخريب السماء والكواكب يخرب كل ما على وجه الأرض وهو قوله :﴿وَإِذَا البحار فُجّرَتْ﴾ ثم إنه تعالى يخرب آخر الأمر الأرض التي هي البناء، وذلك هو قوله :﴿وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ﴾ فإنه إشارة إلى قلب الأرض ظهراً لبطن، وبطناً لظهر.


الصفحة التالية
Icon