وقال ابن عاشور :
﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١) ﴾
الافتتاح بـ ﴿ إذا ﴾ افتتاح مشوِّق لما يرد بعدها من متعلقها الذي هو جواب ما في ( إذا ) من معنى الشرط كما تقدم في أول سورة إذا الشمس كورت، سوى أن الجمل المتعاطفة المضاف إليها هي هنا أقل من اللاتي في سورة التكوير لأن المقام لم يقتض تطويل الإِطناب كما اقتضاه المقام في سورة التكوير وإن كان في كلتيهما مقتض للإِطناب لكنه متفاوت لأن سورة التكوير من أول السور نزولاً كما علمت آنفاً.
وأما سورة الانفطار فبينها وبين سورة التكوير أربع وسبعون سورة تكرر في بعضها إثبات البعث والجزاء والإِنذار وتقرر عند المخاطبين فأغنى عن تطويل الإِطناب والتهويل.
و﴿ إذا ﴾ ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط.
والمعربون يقولون : خافض لشرطه منصوب بجوابه، وهي عبارة حسنة جامعة.
والقول في الجمل التي أضيف إليها ﴿ إذا ﴾ من كونها جملاً مفتتحة بمسند إليه مخبر عنه بمسند فعلي دون أن يؤتى بالجملة الفعلية ودون تقدير أفعال محذوفة قبل الأسماء، لقصد الاهتمام بالمسند إليه وتقوية الخبر.
وكذلك القول في تكرير كلمة ( إذا ) بعد حروف العطف كالقول في جمل ﴿ إذا الشمس كورت ﴾ [ التكوير : ١ ].
و﴿ انفطرت ﴾ : مطاوع فطر، إذا جعل الشيء مفطوراً، أي مشقوقاً ذا فطور، وتقدم في سورة الملك.
وهذا الانفطار : انفراج يقع فيما يسمى بالسماء وهو ما يشبه القبة في نظر الرائي يراه تسير فيه الكواكب في أسْمات مضبوطة تسمى بالأفلاك تشاهد بالليل، ويعرف سمتها في النهار، ومشاهدتها في صورة متماثلة مع تعاقب القرون تدل على تجانس ما هي مصورة منه فإذا اختلّ ذلك وتخللته أجسام أو عناصر غريبة عن أصل نظامه تفككت تلك الطباق ولاح فيها تشقق فكان علامة على انحلال النظام المتعلق بها كله.


الصفحة التالية
Icon