عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما قدم نبي الله المدينة كانوا من أبخس الناس كيلا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأحسنوا الكيل بعد ذلك، وقيل كان أهل المدينة تجاراً يطففون وكانت بياعاتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة، فنزلت هذه الآية، فخرج رسول الله ﷺ فقرأها عليهم، وقال " خمس بخمس" قيل يا رسول الله، وما خمس بخمس ؟ قال ما نقص قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر ".
المسألة الرابعة :
الذم إنما لحقهم بمجموع أنهم يأخذون زائداً، ويدفعون ناقصاً، ثم اختلف العلماء، فقال بعضهم : هذه الآية دالة على الوعيد، فلا تتناول إلا إذا بلغ التطفيف حد الكثير، وهو نصاب السرقة، وقال آخرون بل ما يصغر ويكبر دخل تحت الوعيد، لكن بشرط أن لا يكون معه توبة ولا طاعة أعظم منها، وهذا هو الأصح.
المسألة الخامسة :
احتج أصحاب الوعيد بعموم هذه الآية، قالوا : وهذه الآية واردة في أهل الصلاة لا في الكفار، والذي يدل عليه وجهان الأول : أنه لو كان كافراً لكان ذلك الكفر أولى باقتضاء هذا الويل من التطفيف، فلم يكن حينئذ للتطفيف أثر في هذا الويل، لكن الآية دالة على أن الموجب لهذا الويل هو التطفيف الثاني : أنه تعالى قال : للمخاطبين بهذه الآية :﴿أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [ المطففين : ٤، ٥ ] فكأنه تعالى هدد المطففين بعذاب يوم القيامة، والتهديد بهذا لا يحصل إلا مع المؤمن، فثبت بهذين الوجهين أن هذا الوعيد مختص بأهل الصلاة والجواب : عنه ما تقدم مراراً، ومن لواحق هذه المسألة أن هذا الوعيد يتناول من يفعل ذلك ومن يعزم عليه إذ العزم عليه أيضاً من الكبائر.


الصفحة التالية
Icon