ولما كان التقدير : فيه يبلغ نهاية اللذة الشاربون، عطف عليه قوله :﴿وفي ذلك﴾ أي الأمر العظيم البعيد المتناول وهو العيش والنعيم والشراب الذي هذا وصفه ﴿فليتنافس﴾ أي فليرغب غاية الرغبة بجميع الجهد والاختيار ﴿المتنافسون﴾ أي الذين من شأنهم المنافسة وهو أن يطلب كل منهم أن يكون ذلك المتنافس فيه لنفسه خاصة دون غيره لأنه نفيس جداً، والنفيس هو الذي تحرص عليه نفوس الناس وتتغالى فيه.
والمنافسة في مثل هذا بكثرة الأعمال الصالحات والنيات الخالصة.
ولما ذكر الشراب، أتبعه مزاجه على ما يتعارفه أهل الدنيا لكن بما هو أشرف منه، فقال مبيناً لحال هذا المسقي :﴿ومزاجه﴾ أي يسقون منه والحال أن مزاج هذا الرحيق ﴿من تسنيم﴾ علم على عين معينة وهو - مع كونه علماً - دال على أنها عالية المحل والرتبة، والشراب ينزل عليهم ماؤها من العلو -، وقال حمزة الكرماني : ماؤها يجري على الهواء متنسماً ينصب في أواني أهل الجنة على مقدار الحاجة، فإذا امتلأت أمسك، وهو في الشعر اسم جبل عال وكذا التنعيم وأصله من السنام، ولذلك قطعها مادحاً فقال :﴿عيناً يشرب بها﴾ أي بسببها على طريقة المزاج منها ﴿المقربون﴾ أي الذين وقع تقريبهم من اجتذاب الحق لهم إليه وقصر هممهم عليه، كل شراب يريدونه، وأما الأبرار فلا يشربون بها إلا الرحيق، وأما غيرهم فلا يصل إليها أصلاً، وقال بعضهم : إن المقربين يشربون من هذه العين صرفاً، والأبرار يمزج لهم منها والفرق ظاهر - هنياً لهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٨ صـ ٣٦١ ـ ٣٦٤﴾