وقد استدل بعض العلماء من قوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) على منع القيام للناس لاختصاصه باللّه تعالى، وليس بشيء، لأن هذا القيام خاص للمرء بين يدي ربه، وأما القيام للشخص إذا قدم عليه فلا بأس به، كيف وقد قال صلّى اللّه عليه وسلم قوموا لسيدكم.
إذ في القيام زيادة احترام للمسلم وإظهار للمودة والمحبة ومدعاة للتآلف والتراحم.
وفي عدمه احتقار له، وقد يؤدي إلى التقاطع والتباغض، وربما أدى
إلى القتال، إلا أنه ينبغي للشخص المقام له أن لا يحبه، لما جاء في الخبر من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوا مقعده في النار - أو كما قال -.
هذا، والحكم الشرعي : التطفيف حرام ومن الكبائر، وتجب على معتاده التوبة حالا، ورد ما طفف لصاحبه، لأن التوبة بدون رد المظالم لا تتم، راجع شروطها في الآية ٢٧ من سورة الشورى المارة، وقد علمت أن التطفيف من أهم الأمور التي يجب أن يتباعد عنها، لأنه منوط بالناس كافة.
قال تعالى "كَلَّا" لا يفعلوا ذلك وليرتدعوا وينزجروا عما هم عليه من التطفيف، ولينتهوا وينتبهو للغفلة عن يوم البعث يوم الوقوف أمام رب العالمين، وليندموا ويتوبوا قبل أن يحل بهم غضب الملك الجبار المنتقم، ثم أتبع هذا التحذير بوعيد الفجار على العموم الذين من جملتهم المطففين بقوله جل قوله "إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ" يشمل الكفرة كما مر في الآية ١٤ من سورة الانفطار لا سيما وقد جاءت هذه الآية بمقابل الآية ٢٢ الآتية، والمراد بالكتاب هنا صحائف أعمالهم "لَفِي سِجِّينٍ" ٧ وهو علم كتاب جامع على ديوان الشر، وهو الذي يدون فيه أعمال الشياطين والكفرة من الجن والإنس، وتشير هذه الآية إلى أن المطففين فجار، وقد أشار إليهم صلّى اللّه عليه وسلم بقوله : التجار يحشرون فجارا يوم القيامة، أي الذين هذا شأنهم، أما المتباعدون عن الشبهات، فقد قال فيهم : التاجر الصدوق يحشر مع النبيين والشهداء، ثم قال


الصفحة التالية
Icon