ثم وصفهم بقوله عز قوله "الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ" ١١ يوم الجزاء صفة كاشفة موضحة لحالهم.
قال تعالى متعجبا من جرأتهم على التكذيب في ذلك اليوم المهول "وَما يُكَذِّبُ بِهِ" أحد "إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ" ١٢ كثير الإثم منهمك في الشهوات القبيحة متجاوز
الحد فيها غال في التقليد، لأنه جعل قدرة اللّه قاصرة عن الإعادة وعلمه تعالى قاصرا عن معرفة الأجزاء المتفرقة التي لا بد منها في الإعادة، وجعل علة الإعادة محالة عليه، وهو تعالى ليس عليه شيء محال البتة "إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا" الدالة على البعث والجزاء "قالَ" ذلك الأثيم لفرط جهله وقلة عقله وكثرة طيشه وشدة إعراضه عن الحق الذي لا محيد عنه لو كان فيه لمحة من حلم أو لمعة من علم لما قال "أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ" ١٣ خرافاتهم المتناقلة وأباطيلهم التي ألفوها على الآباء من قبل، ولم يظهر لها أثر حتى الآن.
قيل نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث أو الوليد بن المغيرة، وأيا كان فالآية عامة، والكلام مطلق يدخل فيه كل من اتصف بصفات الذّم المارة هما وغيرهما "كَلَّا" ليس الأمر كذلك، أي مثل ما قال ذلك الأثيم وأضرابه من الباطل والتكذيب "بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ" ١٤ من الآثام الخبيثة، وهذه الجملة بيان لما أدى بهم إلى التقوه بذلك الكلام الفظيع، أي ليس في آياتنا ما يصح أن يقال في شأنها مثل تلك المقالة الباطلة، ولكن أغشيت قلوبهم وغطبت بأوساخ الذنوب وصداها حتى غلب عليها السوء وحال بينهم وبين معرفة الحق كثافة الحجب الحاصلة من طبقات الرين عليها، فلم تقدر أن تعي شيئا أو يوقر فيها شيء من الحق، فقالوا ما قالوا.


الصفحة التالية
Icon