وفي هذه الآية دلالة كافية على أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة، وإلا لم يكن للتخصيص فائدة، ولأن اللّه ذكر الحجاب في معرض التهديد للكافرين، فلا يجوز حصوله للمؤمنين، ولأنه كما حجب قوما بسخطه دل على أن قوما يرونه برضاه، لأن الكفار كما حجبوا في الدنيا عن التوحيد حجبوا في الآخرة عن الرؤية، قال مالك بن أنس رحمه اللّه لما حجب اللّه أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه، ومن أنكر رؤيته كالمعتزلة قال إن الكلام تمثيل للاستخفاف بهم والإهانة لهم، لأنه لا يؤذن بالدخول على الملوك إلا
للوجهاء المكرمين لديهم، ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء المهانون عندهم، قال :
إذا اعتروا باب ذي عبيّة رجبوا والناس من بين مرجوب ومحبوب
ومعنى اعتروا غشوا، والعبيّة بضم العين وتشديد الباء والياء الملك المتكبر، ورجبوا هابوا وفزعوا لعظمة ودهشة مقابلته، راجع بحث الرؤية في الآية ٢٣ من سورة القيامة في ج ١ وما ترشدك إليه من المواضع.
ثم أخبر اللّه تعالى عن هؤلاء الكفرة بأنهم مع كونهم محجوبين يحرقون في النار أيضا بقوله جل قوله "ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ" ١٦ يقاسون حرقها عند ما يزجون فيها، وهذا عندهم أشد بلاء من الحجاب، أما عند المؤمنين فالحجاب عندهم أعظم أنواع العذاب، قال الحسن :
لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا "ثُمَّ يُقالُ" لهم من قبل خزنة جهنم تقريعا وتوبيخا "هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ" ١٧ في الدنيا فذوقوه الآن جزاء تكذيبكم "كَلَّا" ليس الأمر كما يتوهم المتوهمون ويزعم الزاعمون من إنكار البعث، فهو حاصل لا محالة.


الصفحة التالية
Icon