أما الليلة فليلة سار مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إلى الغار، فلما انتهيا إليه قال واللّه لا تدخله حتى أدخل قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخله وكنسه ووجد في جانبه ثقبا فشق إزاره وسدّه به، ووجد ثقبين آخرين فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول اللّه أدخل، فدخل ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الثقب، فلم يتحرك مخافة أن ينتبه حضرة الرسول، فسقطت دموعه على وجهه الشريف، فقال صلّى اللّه عليه وسلم مالك يا أبا بكر ؟ قال لدغت فداك أبي وأمي، فتقل على محل اللدغة فذهب ما يجده من ألم ببركته صلّى اللّه عليه وسلم.
وما قيل إنه انتقض عليه وكان سبب موته بعيد عن الصحة، لأن ما بين اللدغة وبين موته ما يزيد على إحدى عشرة سنة، فلا يعقل بقاء أثر اللدغة تلك المدة، على أن السم إذا برىء منه صاحبه نفع وجوده كما هو معلوم طبا ومشاهدة، وأما يومه فلما قبض صلّى اللّه عليه وسلم ارتدت العرب، وقالوا لا نؤدي الزكاة فقال لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه، فقلت يا خليفة رسول اللّه تألّف الناس وارفق بهم، فقال لي : أجبار في الجاهلية حوار في الإسلام، إنه قد انقطع الوحي وتم الدين، أينقص وأنا حي ؟
- أخرجه في جامع الأصول ولم يرقم عليه علامة لأحد - قال البغوي : وروي أنه حين انطلق مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إلى العار جعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلقه فقال له رسول اللّه مالك يا أبا بكر ؟ فقال أذكر الطلب فأمشي خلقك، وأذكر الرصد فأمشي بين يديك، فلما انتهيا إلى الغار قال مكانك يا رسول اللّه حتى أستبرئ الغار، فدخل فاستبرأه، ثم قال انزل يا رسول اللّه، فنزل وقال له إن أقتل وأنا رجل واحد من المسلمين، وإن قتلت هلكت الأمة.


الصفحة التالية
Icon