و منها أنه صلّى اللّه عليه وسلم لما اختفى في الغار كان مطلعا على باطن أبي بكر في سرّه وإعلانه بأنه من المؤمنين الموقنين المخلصين، ولذلك اختار صحبته في ذلك الوقت الرهيب والمكان المخوف، ومنها أن هذه الهجرة كانت بإذن اللّه تعالى فخص بصحبته فيها الصديق دون غيره من أهله وعشيرته، وهذا التخصيص يدل على فضل أبي بكر وشرفه على غيره، ومنها أن اللّه تعالى عاتب أهل الأرض كلهم بقوله عز قوله (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) الآية المارة من التوبة سوى أبي بكر، وهذا دليل كاف على فضله على أهل الأرض كلهم عدا صاحبه، ومنها أنه رضي اللّه عنه لم يتخلف عن رسول اللّه في سفر ولا حضر بل كان ملازما له في الشدة والرخاء وهذا مما يدل على صدق محبته له وكثرة مودته بحيث لا تستطيع نفسه الكريمة مفارقة حضرة الرسول في اليسر والعسر، ومنها مؤالسته للنبي صلّى اللّه عليه وسلم في الغار وبذل نفسه له وفداء زوجه أمامه كما تقدم ذكره حال المشي وحال الدخول وحال الاستقرار في الغار مما يحقق تمحضه فيه، ولهذا جعله اللّه تعالى ثاني رسوله بقوله عز قوله (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) الآية المارة من التوبة، وفي هذا نهاية الفضيلة وغاية الكرامة له.
وقال بعض العلماء : إن أبا بكر ثاني رسول اللّه في أكثر الأحوال، ومنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم دعا الخلق إلى الإيمان باللّه وبكتابه فكان أبو بكر أول من أجاب دعوته، وهو أول من دعا إلى الإيمان بعد رسول اللّه فاستجاب له عثمان وطلحة والزبير، فآمنوا على يديه وحملهم إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم فأقروا له بالإيمان، ومنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم لم يقف في موقف من غزواته إلا وأبو بكر


الصفحة التالية
Icon