ومما تقدم تبين لك أيها القارئ عظيم فضل سيدنا علي كرم اللّه وجهه، لأنه هادى بنفسه الكريمة في طاعة ابن عمه محمد صلّى اللّه عليه وسلم حينما دعاه حالة إحاطة شبان قريش بداره وأخبره بما قصدوه من قتله، وقال له أنت تنام في مكاني في بيتي وتبقى لتؤدي الأمانات وغيرها كما مر آنفا، فلم يتلكأ وقبل عن طيب نفس ورضى قلب، فتركه صلّى اللّه عليه وسلم على فراشه وخرج على الصورة المارة، وحثا على رءوس شبان قريش التراب ولم يحسوا به.
هذا وان ما قاله بعض المتنطعين من ان رسول اللّه هاجر مكرها وخشية من القتل قول لا قيمة له، كيف وقد تعهد اللّه له بالنصر وحماه من مواقف الكفر كلها طيلة ثلاث عشرة سنة في مكة، وقد خيره اللّه في إهلاك أهلها فأبى عليهم وسأل ربه هدايتهم، وانه خرج من
بين شبان قريش الذين كانوا سالين سيوفهم ليقتلوه عند خروجه فلم يتعرض له أحد منهم لأنه بحجاب من اللّه تعالى الذي معه في كل أحواله، ولكن ما كانت الهجرة إلا تنفيذا لما هو في علم اللّه ولأن خير الإسلام وأهل مكة متوقف عليها، راجع الآية ١٠٣ من آل عمران ج ٣، كما أن ما قاله بعض من لا خلاق له في الدنيا ولا نصيب في الآخرة ولا حظ له عند اللّه تعالى من أن حضرة الرسول إنما استخلف عينا على فراشه ليقتله شبان قريش المحيطون بداره ويتخلص منه، وان سبب مصاحبة أبي بكر له ليكيده به، ما هو إلا قول زور وكذب وافتراء وبهت غني عن الرد، إذ لا يصدقه عاقل ولا يقول به جاهل كيف وهو ابن عمه ووزيره ووصيه وصهره وسيفه وعدته للنوازل، وهو منه بمنزلة هرون من موسى، قاتل اللّه صاحب هذا القيل ومن يصغي إليه، وما هو إلا ناشىء عن محض عداء وخالص فتنه من قلب ضال ولسان مضل، أبعده اللّه في الدنيا عن الصواب، وشدد له في الآخرة العذاب، وأهانه بالهوان يوم المعاد (ومن يضلل اللّه فماله من هاد).
هذا واللّه أعلم وأستغفر اللّه العظيم. أ هـ ﴿بيان المعاني حـ ٤ صـ ٥٠٨ ـ ٥٣٦﴾


الصفحة التالية
Icon