إن الذين يألفون الدنايا ويعيشون كالحشرات فى السراديب والحفر لا تفتح لهم أبواب السماء، إنهم لم يحاولوا التسامى فكيف يرتفعون؟ " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين * كتاب مرقوم * ويل يومئذ للمكذبين ". أما الذين يتحملون تكاليف التقوى ومشقات التزكية.. أما الذين يساندون الحق ويصابرون أعباءه، فلهم شأن آخر " كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون * إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون * تعرف في وجوههم نضرة النعيم". والمجاهدون الأوائل كان يزينهم بريق الصدق وشرف الاعتقاد، ولكن قلة عددهم وضعف سلاحهم نال منهم وأغرى بهم، فكافأهم الله بهذه الخاتمة المضيئة، وجزاهم على تحمل السخرية والأذى بمقعد صدق ورحيق مختوم. " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ". ربما تكرر المنظر فى هذا العصر، ووجدنا منكرين للألوهية يلمزون أهل الإيمان ويتندرون بهم فى المجالس! وليس ذلك مثار شكواى! إن المؤمنين الأقدمين كانوا يمثلون جيلا من أحرار العقول وكبار القلوب، كانوا فى أسواق المال وساحات القتال جن سليمان، فلما نصرهم الله بعد محنتهم ملأوا الدنيا حضارة ونضارة!! أما الخلوف التى تحمل الإسلام الآن فهم كأولاد العبقرى الذين ورثوا شهرته ولم يزلوا كفايته، لا يقبل منهم أن يقدموا الإسلام وهم ما زكوا به نفسا ولا رفعوا به رأسا. والحق أن الدعاة المخلصين يحاربون فى جبهتين.. وليست الجبهة التى ينطلقون منها بأشرف من الجبهة التى يتجهون إليها.. أ هـ ﴿نحو تفسير موضوعى صـ ٥٠٥ ـ ٥٠٦﴾


الصفحة التالية
Icon