قلت : إن كانت السورة مدنية فظاهر، وإن كانت مكية فلعل النبي حين قدم المدينة قرأها عليهم. وهكذا الوجه فيما روي أن أهل المدينة كانوا تجاراً يطففون وكانت بياعاتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة يعني بيع الغرر كالطير في الهواء فنزلت، فخرج رسول الله ﷺ فقرأها عليهم فقال " خمس بخمس. قيل : يا رسول الله وما خمس بخمس؟ قال : ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر " وعن علي رضي الله عنه مر برجل يزن الزعفران وقد أرجح فقال له : أقم الوزن بالقسط ثم أرجح بعد ذلك ما شئت. كأنه أخبره بالتسوية أوّلاً ليعتادها ويفصل الواجب من النفل. وعن أبيّ : لا تلتمس الحوائج ممن رزقه في رؤوس المكاييل وألسن الموازين. والاكتيال الأخذ بالكيل كالاتزان الأخذ بالوزن. قال الفراء :" من " و " على " يعتقبان في هذا الموضع. فمعنى اكتلت عليك أخذت ما عليك، ومعنى أكتلت منك استوفيت منك. وقال أهل البيان : وضع " على " مكان " من " للدلالة على أن اكتيالهم من الناس اكتيال فيه ضرر. وجوز أن يتعلق الجار ب ﴿ يستوفون ﴾ والتقديم للتخصيص أي يستوفون على الناس خاصة، فأما أنفسهم فيستوفون لها. والضمير في ﴿ كالوهم أو وزنوهم ﴾ منصوب راجع إلى الناس والأصل كالوا لهم ووزنوا لهم فحذف المضاف وأصل الفعل. قال الكسائي والفراء : هذه لغة الحجاز ومنه المثل " الحريص يصيدك لا الجواد " أي الحريص يصيد لك لا الفرس الجواد. ويجوز أن يكون على حذف المضاف والتقدير وإذا كالوا مكيلهم أو وزنوا موزونهم. وعن عيسى بن عمر وحمزة أنهما كانا يجعلان الضميرين للمطففين على أنهما توكيد للمرفوع ويقفان عند الواوين وقفة يبينان بها ما أرادا. وخطأهما بعضهم بأن الألف التي تكتب بعد


الصفحة التالية
Icon