وقدم ديوان الشرور لأن المذكور قبله هو وعيد أهل الفجور. وسجين " فعيل " من السجن وهو الحبس والتضييق جعل علماً لديوان الشر الجامع لأعمال الكفرة والفسقة والشياطين، وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا العلمية ﴿ كتاب مرقوم ﴾ ليس تفسيراً للسجين بل التقدير : كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وإن كتاب الفجار مرقوم. وموقع قوله ﴿ وما أدراك ما سجين ﴾ اعتراض تعظيماً لأمر السجين، ولأن ذلك لم يكن مما كان العرب تعرفه أي ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك. وقيل : مرقوم أي مطروح وعلى هذا يكون سجين اسم مكان. ثم اختلفوا، فعن ابن عباس في رواية عطاء وقتادة ومجاهد والضحاك وعن البراء مرفوعاً أنه أسفل أرضين وفيها إبليس وذريته. وعن أبي هريرة مرفوعاً أنه جب في جهنم. وقال الكلبي : صخرة تحت الأرض السابعة. والتحقيق أنه سبحانه أجرى أمور عباده على ما تعارفوه فيما بينهم، ولا شك أن السفلة والظلمة والضيق وحضور الشياطين الملاعين من صفات البغض فوصف الله كتاب الفجار بأنه في هذا الموضع استهانة بهم وبأعمالهم، كما أنه وصف كتاب الأبرار بأنه في عليين وتشهده الملائكة المقربون تعظيماً لحالهم. ثم أوعد المكذبين ووصفهم بقوله ﴿ الذين يكذبون ﴾ للذم لا للبيان لأن كل مكذب فالوعيد يتناوله سواء كان مكذباً بالبعث أو بسائر آيات الله تعالى فهو كقولك " فعل فلان الفاسق الخبيث ". وإنما خص التكذيب بالبعث لتقدّم ذكره وذكر ما يتعلق به. ثم بالغ في الذم بقوله ﴿ وما يكذب به إلاّ كلٌّ معتد أثيم ﴾ متجاوز عن حد الاعتدال في استعمال القوة النظرية إما في طرف الإفراط وهو الجريرة حتى عدّ الممكن محالاً وأقدم على التكذيب، وإما في طرف التفريط وهو البله والغباوة حتى قنع بالاستبعاد المحض وأعرض عن النظر في دلائل البعث من الخلق الأوّل وغيره. أثيم في إعمال القوى البدينة في غير مواقعها حتى أثمر له الباطل بدل الحق، وحكم على آيات الله بأنها أساطير الأوّلين، وفيه


الصفحة التالية
Icon