﴿ يَوْمَ يَقُومُ ﴾ أي : لأمره وقضائه فيهم بما يستحقون في موقف يغشى المجرم فيه من الهول ما يود الافتداء بكل مستطاع. وفي تأثر الويل لمطففين بما ذكر في هاتين الآيتين مبالغات في المنع عن التطفيف وتعظيم إثمه، ووجه ذلك -كما لخصه الشهاب- أن في ذكر الظن من التجهيل مع اسم الاشارة الدال على التبعيد، تحقيراً ووصف يوم قيامهم بالعظمة وإبدال ﴿ يَوْمَ يَقُومُ ﴾ منه، فإنه يدل على استعظام ما استحقروه.
والحكمة اقتضت أن لا تهمل مثقال ذرة من خير وشر.
وعنوان رب العالمين للمالكية والتربية الدالة على أنه لا يفوتهُ ظالم قويّ، ولا يترك حق مظلوم ضعيف. وفي تعظيم أمر التطفيف إيماء إلى العدل وميزانه، وأن من لا يهمل مثل هذا كيف يهمل تعطيل قانون عدله في عباده ؟ وناهيك بأنه وصفهم بصفات الكفرة. فتأمّل هذا المقام، ففيه ما تتحيّر فيه الأوهام.
﴿ كَلَّا ﴾ ردع عن التطفيف الذي يقترفونه لغفلتهم عن يوم الحساب وضعف اعتقادهم به ﴿ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ ﴾ أي : ما كتب فيه من عملهم السيىء وأحصي عليهم. وإيثار المظهر للإشعار بوصف لهم ثانٍ، وهو الفجور، بخروجهم عن حد العدالة المتفق عليها الشرع والعقل ﴿ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴾ أي : مسطور بيِّن الكتابة. أو معلّم برقم ينبئ عن قبحه. سمي سجيناً - فعِّيلاً من السجن وهو الحبس والتضييق - لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم، فهو بمعنى فاعل في الأصل ؛ أو لأنه مطروح في أسفل مكان مظلم، فهو بمعنى مفعول، كأنه مسجون لما ذكر. وقيل : هو اسم مكان، فيقدر مضاف فيه أو فيما بعده، والتقدير : ما كتاب سجين أو محل كتاب مرقوم ؟ فحذف المضاف، وقيل : إنه مشترك بين المكان والكتاب. وقال الأصفهاني : السجين اسم لجهنم بإزاء عِلِّيِّين. وزيد لفظُه تنبيهاً على زيادة معناهُ. وقيل : هو اسم للأرض السابعة.


الصفحة التالية
Icon