﴿ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ أي : في الدنيا. قال الإمام : تبكيتاً لهم وزيادة في التنكيل بهم، فإن اشد شيء على الْإِنْسَاْن، إذا أصابه مكروه أن يذكر وهو يتألم له : بأن وسائل النجاة من مصابه كانت بين يديه فأهملها، وأسباب التقصي عنه كانت في مكنته فأغفلها.
﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [ ١٨ - ٢١ ]
﴿ كَلَّا ﴾ ردع عن التكذيب، أو بمعنى حقاً ﴿ إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴾ قال القاشانيّ : أي : ما كتب من صور أعمال السعداء وهيئات نفوسهم النورانية وملكاتهم الفاضلة في عليين، وهو مقابل للسجين، في علوه وارتفاع درجته، وكونه ديوان أعمال أهل الخير.
كما قال :﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴾ أي : محل شريف رقم بصور أعمالهم :
﴿ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ أي : يحضره المقربون من حضرة ذي الجلال، كما في آية
﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ [ القمر : ٥٥ ].
والمقربون هم الأبرار : أعاد ذكرهم بوصف ثانٍ ؛ تنويهاً بهم وتعديداً لصفاتهم. أو هم الملائكة إجلالاً لهم وتعظيماً لشأنهم.
﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [ ٢٢ - ٢٦ ]
ولما عظم تعالى كتابهم تأثره بتعظيم منزلتهم، بقوله سبحانه :﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ أي : عظيم دائم، وذلك نعيمهم في الجنان.
﴿ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ﴾ أي : على الأسِرة والمتكآت ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة وأفانين النعيم.


الصفحة التالية
Icon