﴿ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم ﴾ أي بهجةَ التنعمِ وماءَهُ ورونَقُه. والخطابُ لكلِّ أحدٍ ممَّن له حظٌ منَ الخطابِ للإيذانِ بأنَّ ما لَهم من آثارِ النعمةِ وأحكامِ البهجةِ بحيثُ لا يختصُّ برؤيةِ راءٍ دُونَ راءٍ ﴿ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ ﴾ شرابٍ خالصٍ لا غشَّ فيهِ. ﴿ مَّخْتُومٍ * ختامه مِسْكٌ ﴾ أي مختومٌ أوانيه وأكوابُه بالمسكِ مكانَ الطينِ ولعلَّه تمثيلٌ لكمالِ نفاستِه، وقيل : ختامُه مسكٌ أي مقطعُه رائحةُ مسكٍ. وقُرِىءَ خَاتَمهُ بفتحِ التاء وكسرِها أي ما يُختم به ويُقطع. ﴿ وَفِى ذَلِكَ ﴾ إشارةٌ إلى الرحيقِ وهو الأنسبُ لما بعدَهُ أو إلى ما ذُكرَ من أحوالِهم. وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ إما للإشعارِ بعلوِّ مرتبتِه وبُعد منزلتِه أو لكونِه في الجنةِ أي في ذلكَ خاصَّةً دونَ غيرِه ﴿ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون ﴾ أي فليرغبْ الراغبونَ بالمبادرة إلى طاعة الله وقيلَ : فليعملِ العاملونَ كقولِه تعالى :﴿ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون ﴾ وقيل : فليستبقِ المستبقونَ وأصلُ التنافسِ التغالبُ في الشيء النفيسِ وأصلُه من النفس لعزتها قال الواحديُّ : نفستُ الشيءَ أنفسُه نفاسةً، والتنافسُ تفاعلٌ منه كأنَّ كلَّ واحدٍ من الشخصينِ يريدُ أنْ يستأثرَ به. وقال البغويُّ : وأصلُه من الشيءِ النفيسِ الذي يحرصُ عليه نفوسُ الناسِ ويريدُه كلُّ أحدٍ لنفسِه وينفسُ به على غيرِه أي يضنّ بهِ.


الصفحة التالية
Icon