﴿ إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ ﴾ الخ حكايةٌ لبعضِ قبائحِ مُشركي قريشٍ جيءَ بها تمهيداً لذكرِ بعضِ أحوالِ الأبرارِ في الجنةِ ﴿ كَانُواْ ﴾ في الدُّنيا ﴿ مِنَ الذين ءامَنُواْ يَضْحَكُونَ ﴾ أي يستهزئونَ بفقرائهم كعمارٍ وصهيبٍ وخبَّابٍ وبلالٍ وغيرِهم من فقراءِ المؤمنينَ. وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ إمَّا للقصرِ إشعاراً بغايةِ شناعةِ ما فعلُوا أي كانُوا من الذينَ آمنوا يضحكونَ مع ظهور عدمِ استحقاقِهم لذلكَ على منهاج قولِه تعالى :﴿ أَفِى الله شَكٌّ ﴾ أو لمراعاةِ الفواصلِ. ﴿ وَإِذَا مَرُّواْ ﴾ أي فقراءُ المؤمنين ﴿ بِهِمُ ﴾ أي بالمشركينَ وهم في أنديتِهم وهو الأظهرُ إن جازَ العكسُ أيضاً ﴿ يَتَغَامَزُونَ ﴾ أي يغمزُ بعضهم بعضاً ويشيرونَ بأعينِهم ﴿ وَإِذَا انقلبوا ﴾ من مجالسهِم ﴿ إلى أَهْلِهِمْ انقلبوا فَكِهِينَ ﴾ ملتذينَ بذكرِهم بالسوءِ والسخريةِ منهم وفيه إشارةٌ إلى أنَّهم كانُوا لا يفعلونَ ذلكَ بمرأى من المارينَ بهم ويكتفونَ حينئذٍ بالتغامزِ وقُرِىءَ فاكهينَ قيلَ : هُمَا بمَعْنَى، وقيلَ : فكهينَ أشرينَ، وقيلَ : فرحينَ وفاكهينَ متفكهينَ، وقيلَ : ناعمينَ، وقيلَ : مازحينَ. ﴿ وَإِذَا رَأَوْهُمْ ﴾ أينما كانُوا ﴿ قَالُواْ إِنَّ هَؤُلاَء لَضَالُّونَ ﴾ أي نسبُوا المسلمينَ ممن رأوهم ومن غيرهم إلى الضلال بطريق التأكيد. ﴿ وَمَا أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ ﴾ على المسلمينَ ﴿ حافظين ﴾ حالٌ من واوِ قالُوا : أي قالوُا ذلكَ والحالُ أنَّهم من جهةِ الله تعالى موكلينَ بهم يحفظونَ عليهم أحوالَهم ويهيمنونَ على أعمالِهم ويشهدونَ برشدِهم وضلالِهم وهذا تهكمٌ بهم وإشعارٌ بأنَّ ما اجترأوا عليه من القولِ من وظائفِ من أرسلَ من جهتهِ تعالى وقد جُوِّز أن يكونَ ذلكَ من جملةِ قولِ المجرمينَ كأنَّهم قالُوا إنَّ هؤلاءِ لضالونَ وما أُرسلوا علينا حافظينَ إنكاراً لصدِّهم عن الشركِ ودعائِهم إلى الإسلامِ وإنما قيلَ : عليهم نقلاً


الصفحة التالية
Icon