وقيل كما حجبهم في الدّنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته وسئل مالك عن هذه الآية، فقال : لما حجب الله أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه، وقال الشافعي في قوله ﴿ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ﴾ دلالة على أن أولياء الله يرون الله جلّ جلاله وعنه كما حجب قوماً بالسّخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا، ثم أخبر أن الكفار مع كونهم محجوبون عن الله يدخلون النّار.
فقال عز من قائل ﴿ ثم إنهم لصالوا الجحيم ﴾ أي لداخلو النّار ﴿ ثم يقال ﴾ أي تقول لهم الخزنة ﴿ هذا ﴾ أي هذا العذاب ﴿ الذي كنتم به تكذبون ﴾ يعني في الدنيا ﴿ كلا ﴾ أي ليس الأمر كما يتوهمه الفجار من إنكار البعث، وقيل كلا أي لا يؤمنون بالعذاب الذي يصلونه، ثم بين محل كتاب الأبرار فقال تعالى :﴿ إن كتاب الأبرار لفي عليين ﴾ جمع علي من العلو، وقيل هو موضوع على صفة الجمع لا واحد له من لفظه وتقدم من حديث البراء المرفوع إن عليين في السّماء السابعة تحت العرش وقال ابن عباس : هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه، وقيل هو قائمة العرش اليمنى وقال ابن عباس في رواية عنه هي الجنة، وقيل هي سدرة المنتهى، وقيل معناه علو بعد علو وشرف بعد شرف، وقيل هي مراتب عالية محفوفة بالجلالة وقد عظّمها الله وأعلاها.
﴿ وما أدراك ما عليون ﴾ تنبيهاً له على عظم شأنه ﴿ كتاب مرقوم ﴾ ليس تفسير العليين، والمعنى أن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين فيه ما أعد لهم في الآخرة من الكرامة، وقيل مكتوب فيه أعمالهم وعليون محل الملائكة وضده سجين، وهو محل إبليس وجنوده.
﴿ يشهده المقربون ﴾ يعني الملائكة الذين هم في عليين يشهدون، أي يحضرون ذلك المكتوب ومن قال إنه كتاب الأعمال قال : يشهد ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين المقربون من الملائكة لكرامة المؤمن.


الصفحة التالية
Icon