ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
أنهم أرباب الفصاحة والبلاغة فعند سماعهم القرآن لا بد وأن يعلموا كونه معجزاً، وإذا علموا صحة نبوة محمد ﷺ ووجوب طاعته في الأوامر والنواهي، فلا جرم استبعد الله منهم عند سماع القرآن ترك السجود والطاعة.
المسألة الثانية :
قال ابن عباس والحسن وعطاء والكلبي ومقاتل : المراد من السجود الصلاة وقال أبو مسلم : الخضوع والاستكانة، وقال آخرون : بل المراد نفس السجود عند آيات مخصوصة، وهذه الآية منها.
المسألة الثالثة :
روي أنه عليه السلام :"قرأ ذات يوم :﴿واسجد واقترب﴾ [ العلق : ١٩ ] فسجد هو ومن معه من المؤمنين، وقريش تصفق فوق رؤوسهم وتصفر" فنزلت هذه الآية واحتج أبو حنيفة على وجوب السجدة بهذا من وجهين الأول : أن فعله ﷺ يقتضي الوجوب لقوله تعالى :﴿واتبعوه﴾ والثاني : أن الله تعالى ذم من يسمعه فلا يسجد، وحصول الذم عند الترك يدل على الوجوب.
المسألة الرابعة :
مذهب ابن عباس أنه ليس في المفصل سجدة، وعن أبي هريرة أنه سجد ههنا، وقال : والله ما سجدت فيها إلا بعد أن رأيت رسول الله ﷺ يسجد فيها، وعن أنس صليت خلف أبي بكر وعمر وعثمان، فسجدوا وعن الحسن هي غير واجبة.
أما قوله :﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ﴾ فالمعنى أن الدلائل الموجبة للإيمان، وإن كانت جلية ظاهرة لكن الكفار يكذبون بها إما لتقليد الأسلاف، وإما للحسد وإما للخوف من أنهم لو أظهروا الإيمان لفاتتهم مناصب الدنيا ومنافعها.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣)
فأصل الكلمة من الوعاء، فيقال : أوعيت الشيء أي جعلته في وعاء كما قال :﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾ [ المعارج : ١٨ ] والله أعلم بما يجمعون في صدورهم من الشرك والتكذيب فهو مجازيهم عليه في الدنيا والآخرة.
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤)
استحقوه على تكذيبهم وكفرهم.