قال تعالى "فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ" ٢٠ بك يا سيد الرسل أي شيء جرى لهم، وما منع هؤلاء الكفرة عن الإيمان بك وقد آتيناهم من دواعيه ما يسمعون ويبصرون ويعون إن كان لهم سمع وبصر وعقل ينتفعون بها، وما آتيناهم هذه الجوارح والحواس إلا ليستدلوا بها على وحدانيتنا ويصدقوا رسلنا
"وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ" الذي أنزلناه عليك لصلاحهم ورشدهم، فمابالهم "لا يَسْجُدُونَ" ٢١ لنا ولا يخضعون لقدرتنا ولا يخشون هيبتنا ؟ ثم انتقل من عدم سجودهم إلى تكذيبهم فقال "بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ" ٢٢ بك وبكتابك "وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ" ٢٣ في صدورهم ويجمعون فيها من التكذيب والبغض لك والحقد عليك، والإيعاء هو جعل الشيء في وعاء وعليه قوله :
الخير أبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما أوعيت من زاد
وأريد به هنا الإضمار وهو ما يضمرونه لحضرة الرسول من العداء.
وما قيل إن المراد بهم المنافقون لا يصح وإنما هم قريش الذين كانوا يحيكون لحضرة الرسول المكايد، والسورة هذه كلها مكية إجماعا، ومكة لا يوجد فيها منافقون إذ ذاك، لأن النفاق وقع بعد الهجرة في المدينة، حتى ان لفظته لم تعرف إذ ذاك.
قال تعالى تهكما بهم "فَبَشِّرْهُمْ" يا سيد الرسل على سبيل التبكيت والتقريع "بِعَذابٍ أَلِيمٍ" ٢٤ لا تطيقه قواهم ويظهر على بشرتهم سوءه "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ" هذا استثناء منقطع من ضمير بشرهم المنصوب، فتكون البشارة في ذلك العذاب الفظيع خاصة بالمكذبين، أما المؤمنون العاملون صالحا ف "لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" ٢٥ منقوص ولا مقطوع.
وهذه الجملة تدحض قول من قال إن الاستثناء متصل على أن يراد بالمستثنى من آمن وعمل صالحا من آمن وعمل بعد منهم أي أولئك الكفرة، لأن الأجر المذكور لا يخص المؤمنين منهم